حكم عمل المرأة التي ليست بحاجة لمال :فإن العمل الذي يلائم فطرة المرأة الخَلقية ووظيفتها الجسدية لا حرج فيه إذا ما أمنت الفتنة وروعيت الأحكام الشرعية، من خلال امتناع الخلوة وجميع التصرفات غير الشرعية، وكان ذلك بإذن زوجها إن كانت متزوجة، وهذا مثل تدريسها للبنات أو عملها في مستشفى خاص بالنساء، فلا حرج على المرأة في مثل هذه الأعمال، ولو لم تكن محتاجة، بل قد يكون عملها مندوباً أو واجباً بحسب حالها، والحاجة إليها. وما لم تكن هناك حاجة حقيقية إلى عملها ضمن الشروط السابقة فقرارها في بيتها خير لها، والمصلحة في بقائها متحققة، وخروجها للعمل سيكون على حساب وظائفها المنزلية، والتي هي الأصل والأولى بالرعاية.
حكم عمل المرأة في مكان يوجد به رجال :فإن عمل المرأة الملتزمة باللباس الشرعي والبعد عن الخلوة بالأجانب مباح، وأما الخلوة بأجنبي فمحرمة للنهي الوارد فيها في حديث الصحيحين، وإذا كان عملها مع رجال عدة فإنه تنتفي به الخلوة ولو كانت مع رجلين عند كثير من أهل العلم، وهو الراجح إن أمنت الفتنة،. وضابط الاختلاط المحرم هو اجتماع الرجال والنساء دون الالتزام بالضوابط الشرعية، كأن تكون هناك مماسة بين الجنسين، أو تبرج من النساء، أو خضوع منهن بالقول، ونحو ذلك، وأما مجرد الاجتماع بين الجنسين تحت سقف واحد مع التزام الضوابط الشرعية فلا حرج في ذلك إذا كانت المرأة تلتزم بالحجاب الشرعي وتتحفظ غاية التحفظ في معاملة الرجال الأجانب, وتلتزم أثناء الكلام بالآداب الشرعية من ترك الخضوع بالقول ونحو ذلك، والبعد عن كل ما يثير الفتنة، والمحافظة على غض البصر.
جكم عمل المرأة خارج بيتها: شاءت إرادة الله تعالى ، أن يكون لكل من الرجل والمرأة دوره في هذه الحياة، ولهذا أودع في كل منهما خصائص جسمية ونفسية مناسبة، تؤهله للقيام بالمسؤوليات التي عليه، قال الله تعالى : { إنا كل شيء خلقناه بقدر } . (القمر 49) . وهذا ما أكدته الدراسات المعاصرة، من أن جسم المرأة خلق على نحو يتلاءم مع وظيفة الأمومة، كما أن نفسيتها قد هيئت لتكون ربة الأسرة وأم الأجيال ...
وهذا الدور الذي أنيط بها، لا يخلو من عناء ومشقة، وآلام وأوجاع ، وتغيرات عاطفية ومزاجية سريعة، خاصة حال الدورة الشهرية ، والحمل ، والولادة، والنفاس، والإرضاع ، مما يترتب عليه ضعف بدني ظاهر، يستحق الاهتمام والرعاية .
ولهذا حرم الله تعالى على الحائض والنفساء الصلاة والصوم، وأباح للحامل والمرضع أن تفطر في رمضان، ولم يوجب على المرأة عموماً ولم يلزمها بأن تعمل خارج بيتها، كتعرف ما هو المشاهد في حال الرجال عموماً، بل أوجب على والدها أن يرعاها وينفق عليها إنفاقاَ شاملاً، فإذا تزوجت قام الزوج بهذه الرعاية والإنفاق، ثم يقوم أولاده من بعده بهذا الواجب الديني والاجتماعي في بر الأم وإكرامها، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الجنة تحت أقدام الأمهات " . أخرجه أحمد والنسائي وغيرهما .
وبناء على ما تقدم آنفاً يقال : إن عمل المرأة خارج البيت ليس واجباً ولا أمراً حتمياً تجبر عليه في الإسلام، بل هو في حقها جائز ومباح شرعاً، وفرق كبير بين الواجب وبين الجائز المباح الذي لا ينبغي أن تمنع منه إذا ما رغبت فيه وتوفر لها ما يلي :
1. أن لا يتعارض مع وظيفتها الأساسية، في القيام بشؤون البيت، وواجبات الأمومة والزوجية، مع موافقة الأب أو الزوج .
2. أن تكون مجالات العمل ملائمة لطبيعة المرأة وتكوينها البدني والنفسي، بعيدة عن النشاطات الشاقة المضنية، أو التي تتطلب السهر، أو السفر، أو الابتعاد الطويل عن الأبناء والأسرة، ومن هذه الأعمال الملائمة لطبيعة المرأة : التوظيف، والتعليم، والتطبيب، والتمريض، والخياطة، والإدارة، والبيع ...
3. أن تخرج المرأة إلى عملها في هيئة شرعية محتشمة، بعيدة عن الزينة والإثارة والإغراء .
4. ألا يكون في العمل خلوة برجل، أو اختلاط دائم مريب .
وخلاصة ما سبق : أنه يجوز للمرأة – ولا يجب عليها – أن تعمل، إذا توفرت لها العوامل المناسبة التي تراعي خصوصيتها، والتي يدعو إليها الدين، فضلاً عن العقل والمنطق . وهي غير ممنوعة شرعاً من المشاركة في بناء المجتمع، وسد احتياجاته، والعمل على نهوض به وتنميته، ما دام عملها يتسم بالبناء والعطاء، لا الهدم والإفساد . أخرج مسلم وأبو داوود وغيرهما عن جابر رضي الله عنه قال : طلقت خالتي ثلاثاً، فخرجت تجذ نخلاً لها – فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال : " أخرجي فجذي نخلك، لعلك أن تصدقي منه، أو تفعلي معروفاً ".