بدأ الإنسان في عملية التفكير التفسيري بعد أن استقر في العيش وتوفرت له مصادر الغذاء والأمن ، ومن حينها وهو يضع فرضيات ونظريات أو رؤى حول العالم وظواهره ، كانت أول العلوم التي نتجت عن التفكير الإنساني علم الفلسفة وهو يعتبر العلم الأم لكل النتاج المعرفي البشري حتى وقتنا هذا ، وهو بحد ذاته لم ينقطع على الرغم من انقراضه لفترات طويلة في أماكن وانتشاره بأخرى أو قلته على المستوى العالمي بفترات معينة من الزمان ولكنه بشكل عام لم ينقطع وظل خيط الفلسفة مستمرا عبر حضارات كثيرة كان أولها وأشهرها العلم الفلسفي اليوناني ، بحيث أو فلاسفة ظهورا على الأرض ضمن نظريات فلسفية وصلت إلينا عبر الازمان هم فلاسفة اليونان ، والمذهل بالأمر أن الأسئلة التي طرحها هؤلاء الفلاسفة والأساسيات التي تكلموا بها لازالت حتى الآن تعتبر معضلات فلسفية ، والحلول التي وجدوها لبعض هذه الأسئلة تعتبر هي الحجر الأساس في بناء العلوم الطبيعية والإنسانية التي نعيشها في الزمن المعاصر عدا عن أنها لازالت تثبت نفسها وتدخل لعقل كل مفكر كونها كانت علوما شاملة وكان الفيلسوف الواحد له نظريات إنسانية ونظريات في العلوم الطبيعية ونظريات للوصل بينهما .
في عصور لاحقة للعصر اليوناني بدأت الفلسفة تتخصص مع الزمن بشكل تدريجي حتى تم فصل العلوم الإنسانية عن العلوم الطبيعية ، وقد وصلنا في الزمن المعاصر إلى تخصص التخصص بيحث أن العالم في العلوم الطبيعية مثلا يكون عالما بجزئية واحدة منها وعلى اطلاع على غيرها ، فمثلا عالم الأحياء هو متخصص بالأحياء إلا أنه يجب أن يكون على دراية بدرجة معينة بعلم الكيمياء . وهذا الفصل قد نال حظه من العلوم الإنسانية أيضا بحيث تم تقسيم هذه العلوم إلى تخصصات منها الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم السياسة ، وكل علم من العلوم الإنسانية السابقة له تخصصات في داخله تتفرع عنه ، وعلى الرغم من أن الفلسفة هي الأم التي أنشأت هذه العلوم إلا أنه تم تخصيصها هي الأخرى وباتت في العام مقتصرة على محور فكري محدد وهو البحث في الأسئلة الفلسفية الأساسية والتي تبحث في المحاور الثلاث وهي نظرية المعرفة ، ونظرية الوجود ، ونظرية القيم . أما عن اشتغالها في وضع تفسيرات لسلوكات الإنسان أو تجلياته فهي أصبحت من علم النفس . وكون العلوم التي تبحث في الإنسانية هي مهما حاولنا الفصل بينها ستبقى متصلة أطلق عليها إسم الانثربولوجيا وهو مصطلح فلسفي يعني علم الإنسان ، وهذا المصطلح يشمل جميع الأفرع الخاصة بالعلوم الإنسانية .