من الميّزات التي يجب أن يعلمها كُلَّ كاتب أن يبتغي وجهَ الله عزًّ وجلّ فيما يكتبه وأن يُريد بذلك الإخلاص للهو وحده لا شريك له، فكم من الأعمال والمؤلّفات اندثرت وذَهَب صيتها ولم تعد منتشرة أو مقروئة لدى الناس، وبالمقابل نرى كُتُباً قد وصَلَت إلى السحاب وانتشرت عبر الآفاق ولا تكاد ترى صغيراً ولا كبيراً إلاّ وقد اقتنى هذهِ الكُتُب أو سمع عنها وَدَعا لصاحبها بالأجر والمثوبة.
وقد شهِد العالَم الإسلاميّ العديد من أشهر وأبرز العُلماء الذين أثروا المسيرة العلميّة الشرعيّة بمؤلفاتهم الزاخرة بأنقى العلوم وأصفاها، ومن هؤلاء الذين أكرمهم الله عزّ وجلّ بنشر الخير والعلم هو العلاّمة ابن شرف النووي، وهو الذي إذا ذُكِر كتاب رياض الصالحين ذُكِرَ معه الإمام النووي رحمه الله تعالى، فمن هم النووي وتعرف ما هو كتاب رياض الصالحين.
مؤلّف كتاب رياض الصالحين
يجوز إطلاق كلمة التأليف هُنا ويُراد بها تأليف مضامين الكتاب وجمعها وترتيبها في أبواب لتتألف بعقدٍ فريد جميل، لأنّ مُحتوى كِتاب رياض الصالحين هو جُملةٌ من أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي المُنتخبة التي أظهرت سعة اطّلاع الإمام النووي وحُسن اختياره للأحاديث التي تَخدم المُسلم في كافّة حياته، وق صنّف الإمام النووي كِتابهُ رياض الصالحين بحيث تطرّق إلى كلّ ما يخصّ المُسلم في شؤون حياته بما نصّ عليه رسول الله صلّى الله عليهٍ وسلّم في أحاديثه المُطهّرة.
ويحتوي الكتاب على 372 فصلاً يقع فيه حوالي 1903 أحاديث نبويّة، وقد أجمع العلماء على صحّة ما ورَد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك وجَد هذا الكتاب قبولاً عند الناس حتّى زماننا هذا ويستخدمه العلماء والمشايخ في طلب العلم، وكذلك في إعطاء الدروس الوعظيّة في المساجد والكليّات.
ومؤلّف الكتاب وهو الإمام النووي هو من مواليد مدينة نوى وإليها يُنسب ولد في العام الهجريّ 631ه وتوفي في السنة الهجريّة 676ه، واسمه كما ورَد في تراجم الرجال هو محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مـرِّي بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام النووي الشافعي الدمشقي، وعلى الرغم من صغر سنّة فقد توفّي وهو صغير فإنَّ الله قد بارَكَ له في عمره وفي وقته، فقد أخرج في الفقه كتاب المجموع الذي لو مكث أحدنا عمرهُ كاملاً ما استطاع جمعه وتصنيفه، وقد كان الإمام النووي شافعي المذهب رحمه الله، ومن كالكُتب التي اشتهر بها النووي كتاب الأربعين النووية، وهي الأحاديث التي جمعها النووي ونُسبت إليه، وهي الأحاديث التي يقوم عليها أصل الدّين.
