بسم الله الرحمن الرحيم، والعاقبة للمتقين، والصّلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد،
إنّ سجود الشكر مستحبٌ عند جمهور العلماء، ويشرع هذا السجود لمن أصابته نعمة، أو صرفت عنه نقمة، فمن أصابه أمرٌ يسره ويُفْرح قلبه، فيستحب له أن يسجد سجود شكرٍ لله عز وجل، ومن صَرَف الله عنه نقمة أو مصيبة، فيستحب أن يسجد لله شكراً، فيكون بهذا مأجوراً على سجوده، وينبغي أن تكون تلك النعمة غير معتادة حتى يُشْرع السجود شكرًا لله عليها، وقد ثبت هذا السجود في السنة النبويّة العطرة، فعن أبي بكرة: « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يُسَرُّ به خر ساجدًا » [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وحسنه الإمام الألباني في إرواء الغليل]، وقد أشار أهل العلم إلى أن هناك أحاديث أخرى تقوي هذا الحديث، بالإضافة إلى ورود العديد من الآثار عن السلف الصالح تبين أنهم عملوا بهذه السنة المستحبة.
وسجود الشّكر هو من أنواع السجود المستحبّة التي تكون في خارج الصلاة، ويقول الكثير من العلماء أنّ صفة سجود الشكر وكيفيّته هي نفس صفة سجود التلاوة، فلا يشترط في هذا السجود أي شيء مما يشترط للصلاة كالوضوء واستقبال القبلة والتكبير، وقد ورد في التكبير حديث ولكن فيه ضعف، ولذلك فالراجح عدم مشروعيّة التكبير في هذا السجود، وكذلك لا يشرع التشهّد فيه، أو التّسليم بعده، وإنما يخر المرء ساجداً من دون كل ذلك، فيسجد سجدةً واحدة فقط، ويقول فيها كما يقول في سجوده أثناء الصلاة، ويشكر الله على نعمته عليه، يدعو الله أثناء سجوده بما شاء من الدعوات الطيبة.
وختاماً ينبغي التنبيه إلى أنّه لا يوجد صلاة تسمّى صلاة الشكر، ولم يرد عن الرسول أنّه صلى هذه الصلاة، وإنّما ورد عنه سجود الشكر، وهذه الصّلاة لا أصل لها في السنة، بالإضافة إلى أنّه لا يجوز للمسلم أن يسجد سجود الشكر من غير سبب لأنّ هذا أيضاً لم يرد عن الرسول، فينبغي لكل مسلم أن يتمسك بالسنة ويحرص عليها، ولا يجوز له أن يأتي بعبادات لم ترد فيها؛ لأنّ العبادات التي لم ترد في السنة تعتبر من البدع المحدثات التي حذّرنا الرسول صلى الله عليه وسلم منها، ونسأل الله أن يعلّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا فقهًا في الدين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.