مقدمة
منذ أن خلق الله الكون وكل شيء نراه فيه ابداعاً لا حدود له، وما أكّده علماء الجيولوجيا أنه في عصر من العصور كانت الكرة الأرضية مغمورة بالمياه بشكل كامل، وبفعل الزلازل والبراكين بدأت تظهر اليابسة، حتى تشكلت خريطة العالم، وبقيت الكثير من أجزاء اليابسة داخل المياه وهي ما تم تسميتها جُزر، فالجزيرة هي يابسة محاطة بالمياه من جميع الجهات وإبداع الخالق يظهر في كون الجزر مختلفة في الشكل والحجم، وتمتع الجزر بالجمال الساحر والخلاب، ويوجد آلاف الجزر حول العالم، ولكن أكبرها جزيرة تسمّى (جرينلاند) وهي الأكبر على الإطلاق من بين جُزر العالم.
جزيرة جرينلاند
وهي جزيرة تقع بين القطب الشمالي والمحيط الأطلسي، ويعني اسمها (أرض الناس)، ورغم أن طبيعة جزيرة جرينلاند تنتمي إلى القطب الشمالي، وجغرافياً هي جزء من قارة أمريكا الشمالية إلا انها ارتبطت عبر تاريخها وسياستها بأوروبا وخاصة الدانمارك والنرويج وأيسلندا، كما أنها بلد عضو في مملكة الدانمرك، وعاصمة جرينلاند مدينة (نوك)، وقد منحت الدانمرك الحكم الذاتي لجرينلاند في عام 1979م، وقام سكان جزيرة جرينلاند بالتصويت لمنحهم الحق في تقرير مصيرهم وذلك في عام 2008م، حتى يتم نقل المزيد من الصلاحيات لحكومتهم وبدأ تطبيق النظام الجديد في شهر يونيو من العام 2009م، ومن ضمن الحقوق التي تم تحقيقها لسكان الجزيرة أن اللغة الجرينلاندية أصبحت اللغة الرسمية والوحيدة في بلدهم، والتزام الحكومة الدانماركية بما عليها من مسؤوليات أهمها توفير الدعم المالي الذي يقدّر بحوالي 3.4 مليار كرونة دنماركية كل سنة لجزيرة جرينلاند.
تاريخ جزيرة جرينلاند
في الفترة بين 2.500-800 قبل الميلاد كانت جزيرة جرينلاند موطناً للبايلو-أسكيمو، وكانت ثقافة سكاكا متواجدة في الجزيرة في ذلك الوقت، واكتشفت العلماء آثاراً يعود تاريخها لـ 1.300 سنة قبل الميلاد، وهي الدليل على وجود تلك الحضارة؛ في عام 875م قام الفايكنج النرويجيون والأيسلنديون باحتلال جزيرة جرينلاند، وتمركزوا في المناطل الجنوبية الغربية، وأتى سكان الإريك الأحمر للجزيرة عام 982م وزاد عدد المهاجرين الاسكندافيين إلى حوالي 300 شخص وذلك في عام 1261م، وفي نفس ذلك العام قام سكان الجزيرة بالتصويت لصلاح الاتحاد مع النرويج، وفي عام 1380م اتحدت الجزيرة مع الدنمارك وخضعت جزيرة جرينلاند للحكم الدانماركي، وتوفي جميع مستوطني الجزيرة لما هى اسباب غامضة خلال القرن الخامس عشر الميلادي، إما نتيجة هجوم من الأسكيمو أو نتيجة لمناخ قارس البرودة وهذا ما احتمله العلماء.
أرسل مانويل الأول ملك البرتغال المستكشف غاسبر كورتي إلى جزيرة جرينلاند وذلك في عام 1500م للالبحث عن الممر الشمالي الغربي لآسيا، وكانت هذه الرحلة وفقاً لمعاهدة توردسيلاس التي كانت جزءاً من النفوذ البرتغالي، وبعد عام عاد المستكشف غاسبر مع شقيقه وكان قد وجدوا بحر متجمد في أحد المقاطعات الكندية، ويحتمل الخبراء أن بعض المستكشفين البرتغاليين قاموا بإنشاء مستوطنات في جزيرة جرينلاند في ذلك الوقت، وفي عام 1721م بدأ مُنصر نرويجي باستعمار جرينلاند بعد أن أنشأ بعثة ومركزاً تجارياً في نوك، وبعد ذلك تولت الدنمارك جرينلاند بعد انتهاء الوحدة بين النرويج والدنمارك، وقامت الدنمارك بالكثير من الحملات البحثية العلمية في القرنين التاسع عشر والعشرين حيث أيدّت محكمة العدل الدولية طلب الدنمارك بحثها في تبعية جرينلاند لها.
أثناء الحرب العالمية الثانية في عام 1940م قام الألمان بغزو الدنمارك، وتكفلت الولايات المتحدة بحماية جزيرة جرينلاند والدفاع عنها في عام 1941م، وتمكنت الولايات المتحدة بالتعاون مع الدنمارك على تدمير محطات الأرصاد التي قامت ألمانيا بإنشائها في الجزيرة، وقامت الولايات المتحدة بإقامة عدة محطات وقواعد عسكرية في جرينلاند، وفي عام 1951 قامت الولايات المتحدة بالاتفاق مع الدنمارك على اتفاقية عسكرية مفادها أن يكون الدفاع عن جرينلاند من مسؤولية حلف شمال الأطلنطي، وفي عام 1961م أقامت الولايات المتحدة أكبر محطة رادار في العالم على جزيرة جرينلاند، وفي عام 1953م كان تغيير الدستور وتحولت جرينلاند من مستعمرة إلى مقاطعة دنماركية، وأصبح لها حقوق وواجبات مثل السكان الدنماركيين وباقي المناطق في الدنمارك، ومُنح سكان جرينلاند حق التصويت في الانتخابات، وحصلت جرين لاند على حكم ذاتي عام 1979م.
سياسة جرينلاند
مارغريت الثانية هي الحاكمة العامة لجرينلاند، وهي من تقوم بتعيين مفوض سامي يقوم بتمثيل الحكومة الدنماركية في جرينلاند، ولأن جرينلاند كانت جزءاً من مملكة الدنمارك يتم انتخاب عضوين يمثلان جرينلاند في البرلمان الدنماركي، ويتكون برلمان جرينلاند من 31 عضواً، الوزير الأول هو رئيس الحكومة وزعيم حزب الأغلبية في البرلمان، ورئيسها الحالي هو كوبيك كلايست ينتمي لحزب الإينويت والذي وصل حديثاً إلى السلطة، في يوم 25 نوفمبر 2008م، قام سكان جزيرة جرينلاند بالتصويت في استفتاء حول خطة لمنح الجزيرة الحكم الذاتي من الدنمارك، وكانت نتيجة الاستفتاء أن ما نسبته 75.54% صوتوا على موافقتهم لحكم ذاتي، في المقابل صوت 23.57% على رفض الخطة، ومن صوتوا بالموافقة رأوا أن الخطة تمهد الطريق لجرينلاند كي تتولى المزيد من المهام الإدارية في الجزيرة وتكون كاملة التصرف بمواردها من نفط ويورانيوم وماس وزنك وغاز.
الاقتصاد في جرينلاند
في عام 1979م بدأ سكان جزيرة جرينلاند يتقلدون المناصب، ويحكمون نفسهم بدون تدخل خارجي، وأصبحت جرينلاند أحد أعضاء المجموعة الأوربية التي تسمّى الآن الاتحاد الأوروبي إلّا أن السكان طالبوا بالانحلال منها عام 1982م ليتمكنوا من التحكم في اقتصادهم بصورة احسن وأفضل وبالطريقة التي يرونها مناسبة، وانسحبت جرينلاند من الاتحاد الأوروبي عام 1985م، ويعتمد اليوم اقتصاد جزيرة جرينلاند على صيد الأسماك وتصديرها معلبة وهو أكبر مصدر للدخل لديها، وبدأت في الفترة الأخيرة عمليات التنقيب على النفط والمعادن الأخرى من خلال شركة النفط الوطنية التي قامت الحكومة بإنشائها، لتطوير صناعة المواد الهيدروكربونية، وقامت الشركة بإطلاق كوبنهاجن لتجميع الأموال اللازم لدعم وتطوير قطاعات إنتاج البحث والياقوت والذي بدأ استغلالهما في عام 2007م، ويشهد نشاط استخراج المعادن نشاطاً كبيراً، ويشهد الاقتصاد انتعاشاً حيث يتم استخراج النيكل والتنغستن والتيتانيوم والألمونيوم والبلاتين والنحاس، ويهيمن القطاع العام على جميع اقتصاد جرينلاند، ويعتبر نصف الدخل للحكومة عبارة عن مساعدات من الحكومة الدانماركية؛ بعد المعاناة الكبيرة التي عانتها جزيرة جرينلاند في بداية التسعينات في تدني المستوى الاقتصادي، بدأ التحسن يطرأ مطلع العام 1993م، حيث انتهجت الحكومة السلطة الذاتية على مصادرها واتبعت سياسة مالية مشددة ساعد على خلق الفائض في الموازنة العامة وانخفضت مستويات التضخم، وعندما أُغلقت مناجم التنقيب عن المعادن في عام 1990 عانى اقتصاد جرينلاند كثيراً حتى تم اكتشاف مصادر جديدة لحجر الياقوت وتسعى الحكومة لاستغلاله وانعاش الاقتصاد من خلال تصديره إلى دول العالم، وفي الاجتماع الذي يُعقد لصيد الحيتان ويضم 85 دولة، سعت الدانمارك إلى حشد التأييد من دول الاتحاد الأوروبي كي يُسمح لسكان جرينلاند بصيد الحيتان الحدباء والتي يبلغ عددها 50 كل خمس سنوات لإطعام السكان، ومن المعروف عن تلك الحيتان أنها ضخمة جداً، وتم تحديد اصطياد 50 حوت كل خمس سنوات؛ كي لا يتم القضاء عليه وينقرض، لذلك يوجد رقابة كبيرة على اصطياد هذا النوع من الحيتان من قبل العديد من الدول المهتمة.