بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد،
اليمين هي: « الحلف والقسم، أنثى، والجمع أَيْمُن وأيمان » [راجع: لسان العرب]، وقوله (أثنى): أي أن كلمة اليمين مؤنثة. واليمين في الشرع: هي تأكيد الشيء المحلوف عليه عن طريق ذكر اسم المحلوف به المُعَظَّم، ويكون بصيغة مخصوصة مع استخدام أحرف القسم الثلاثة، وهي: الواو، والباء، والتاء.
والحلف لا يجوز إلا بالله عز وجل، أو باسم من أسمائه، أو بصفة من صفاته، فلا يجوز للمسلم أن يحلف بغير الله مطلقاً، فلا يجوز له أن يحلف بأبيه أو بأمّه أو بغيرهما من دون الله، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ألا إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت. » [رواه البخاري]. والحلف بغير الله هو نوع من الشرك، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من حلف بغير الله فقد أشرك. » [رواه أبو داود، وصححه الألباني]، فالحلف فيه تعظيم للمحلوف به، وهذا التعظيم لا يجوز أن يكون إلا لله عز وجل، والحلف بغير الله هو من الشرك الأصغر الذي لا يُخْرج من الملة، إلا إذا اعتقد الحالف أن الذي حلف به من دون الله هو أحق بهذا الحلف، أو إذا اعتقد أنه مساوٍ لله في عظمته، فيكون في هذه الحالة كفراً أكبر، ويخرج بسببه من الملّة والعياذ بالله.
ومن الأيمان ما تكون منعقدة، ومنها ما تكون لغواً، ومنها ما تكون كاذبة، ومن أنواع الأيمان الكاذبة: (اليمين الغموس)، واليمين الغموس: هي اليمين الكاذبة التي يؤديها المسلم على أمرٍ مضى؛ ليقتطع بها مال أخيه المسلم بغير حق. ومثالها: أن يقترض شخص من أخيه مبلغًا من المال، ثم إذا طالبه المقرض بهذا المبلغ، لم يعطه إياه، حتى إذا تخاصما إلى القاضي حلف المقترض يمينًا أنه لم يأخذ من المقرض شيئًا! ومن العلماء من يقول بأن اليمين الغموس هي ما كانت يمينًا كاذبة على أمر مضى عمومًا؛ أي أنها ليست محصورة بالتي يكون فيها أكل لأموال الناس بالباطل، ولكن هذا الحصر هو الأولى والله أعلم.
وسمّيت غموساً لأنّها تغمس صاحبها في الإثم، ثم في النار، فهي من كبائر الذنوب، حيث يقول ابن فراس في معجم مقاييس اللغة: « ويمين غموس، قال قوم: معناها أنّها تغمس صاحبها في الإثم ».
إنّ ما عليه جمهور العلماء أنّ اليمين الغموس لا كفارة لها سوى التّوبة، فعلى الذي ابتلي بها التّوبة النّصوحة لله عز وجل، وإعادة الحقوق لأصحابها.