الحشيشة من أعظم المنكرات وأكبر الموبقات، وأن متعاطيها يعرض نفسه للوعيد الشديد الوارد في من تعاطى الخمر، فإن حد الخمر يصدق عليها لكونها مسكرة، وانتشار هذا المنكر بين المسلمين كان من أعظم ما هى اسباب تسلط الأعداء عليهم، ولها من المفاسد والشرور على متعاطيها ما قد لا يوجد في الخمر.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لما أظهر الناس ما نهاهم الله ورسوله عنه من الذنوب سلط الله عليهم العدو، وكانت هذه الحشيشة الملعونة من أعظم المنكرات وهي شر من الشراب المسكر من بعض الوجوه، والمسكر شر منها من وجه آخر، فإنها مع أنها تسكر آكلها حتى يبقى مصطولا، تورث التخنيث والديوثة وتفسد المزاج، فتجعل الكبير كالسفنجة، وتوجب كثرة الأكل وتورث الجنون، وكثير من الناس صار مجنونا بسبب أكلها، ومن الناس من يقول إنها تغير العقل فلا تسكر كالبنج وليس كذلك، بل تورث نشوة ولذة وطربا كالخمر، وهذا هو الداعى إلى تناولها وقليلها يدعو إلى كثيرها كالشراب المسكر، والمعتاد لها يصعب عليه فطامه عنها أكثر من الخمر، فضررها من بعض الوجوه أعظم من الخمر، ولهذا قال الفقهاء إنه يجب فيها الحد كما يجب فى الخمر. انتهى.
فإذا سمعت هذا الكلام وعلمت أن وعيد متعاطي الحشيشة من جنس وعيد معاقر الخمر، وعلمت ما في الخمر من الوعيد الشديد، وأن الله يمقت فاعل هذا المنكر ويسخط عليه، فإنك تكره لنفسك هذه المنزلة، فحذار حذار أيها الأخ من أن تعرض نفسك لغضب ربك عز وجل، فإن غضب الله تعالى لا يقوم له شيء، واتق النار فإن حرها شديد، وقعرها بعيد، ومقامعها حديد، واعلم أن الحشيشة نجسة عند كثير من العلماء، وإذ هي من الخمر فإن من تعاطاها لم تقبل له صلاة أربعين يوما ما لم يتب، أي إن إثم تعاطيها يحبط ثواب تلك الطاعات مع كثرتها وذلك لعظم إثم تعاطيها.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: الصواب أن آكلها يحد وأنها نجسة، فإذا كان آكلها لم يغسل منها فمه كانت صلاته باطلة، ولو غسل فمه منها أيضا فهي خمر، وفى الحديث من شرب الخمر لم تقبل منه صلاة أربعين يوما، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشربها لم تقبل له صلاة أربعين يوما، فان تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشربها في الثالثة أو الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال. قيل يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار .واذا كانت صلاته تارة باطلة وتارة غير مقبولة فإنه يجب الإنكار عليه باتفاق المسلمين. انتهى.
وما نظنك بعد أن تقرأ هذا الكلام إلا ستقلع من فورك عن هذا المنكر، وأما أن تترك الصلاة لكونك تتعاطي الحشيشة، فإنك بهذا تعرض نفسك لمزيد من سخط الله تعالى عليك، فإن ترك الصلاة إثمه عظيم وجرمه كبير حتى أوصله بعض العلماء إلى الكفر، وحكم بردة من تعمد ترك الصلاة والعياذ بالله، فلو تركت الصلاة أيضا استجابة لداعي الشيطان كنت قد ضاعفت إثمك وأكثرت من السيئات الموجبة للعقوبة، بل إثم ترك الصلاة أعظم من إثم تعاطي الحشيشة فليس من المعقول أن تعالج إثما بفعل تعرف ما هو أعظم منه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من يمتنع عن الصلاة المفروضة فإنه يستحق العقوبة الغليظة باتفاق أئمة المسلمين، بل يجب عند جمهور الأمة كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل، بل تارك الصلاة شر من السارق والزاني وشارب الخمر وآكل الحشيشة. انتهى.
وإذا علمت هذا فصلاتك مع شربك للحشيشة خير من تركك للصلاة مع عدم شربها، فكيف بجمعك بين السوأتين وهو شربها وترك الصلاة، فمن يصلي ويشرب الحشيشة خير ممن لا يصلي، فإياك أن تستجيب لداع الشيطان الذي يأمرك بترك الصلاة، واعلم أنك لو أديت الصلاة على وجهها مستحضرا عظمة ربك عز وجل ومتفكرا في ما تتلوه من الآيات وتردده من الأذكار لنهتك صلاتك عن هذا المنكر مصداق قوله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {العنكبوت:45}
فخير لك ثم خير لك أن تحافظ على صلاتك وتترك هذا المنكر، وتبادر بالتوبة إلى ربك تعالى، فإن الأجل قريب والنفس قد يخرج ولا يعود وتطرف العين ولا تطرف الأخرى إلا بين يدي الله عز وجل، فحاذر عبد الله أن تموت وأنت على هذه الحال، نسأل الله لنا ولك التوبة النصوح.