«الجربوع» ويكتب وينطق في بعض البلدان الخليجية ب «اليربوع» وهو حيوان ليلي لطيف التكوين سريع الحركة يهوى الانفراد والوحدة ويمتلك حاستي السمع والشم الحادتين اللتين تقيانه شر المداهمات العدوانية ويعد من اجمل وافضل القوارض التي تعيش في الصحراء وله أنواع كثيرة ويعيش في بلدان مختلفة ويصفه البعض بأن الجزء العلوي منه بلون أصفر ترابي والجزء السفلي منه أبيض ويبلغ طول جسمه 11 سم وله أذنان طويلتان (2,5 سم) وعينان كبيرتان وذيل طويل إذا ما قيس بحجمه حيث يبلغ (20) سم ذو شعر قصير وينتهي بخصلة لونها أسود وأبيض وله يدان قصيرتان في كل منهما خمسة أصابع الأصبع الخامس قصير جداً أما رجلاه فطويلتان إذ يبلغ طولهما (11 سم) ويوجد بهما ثلاثة أصابع فقط وينبت شعر طويل ما بين أصابع رجليه وأسفلها ليكون أسفل الرجل ما يشبه الوسادة لتخفف ضربات رجله عندما يقفز من مكان إلى آخر في حركة سريعة ودائمة، ويوجد في مقدمة وجهه شارب كبير كشارب القط لكنه أطول وتوجد شعرة طويلة (9 سم) ثم أقصر ثم أقصر وتساعده هذه الشعرات المتجهة لجميع الجهات لاستشعار أي حركة قريبة أو خطر يهدده!.
ولعل طول أرجل «الجربوع» المرنتان تساعدانه بالقفز عالياً وتصل قفزته إلى المتر ارتفاعاً عمودياً وبسبب مرونة رجليه كالزمبرك يستطيع الانتقال إلى مسافات طويلة جداً بحثاً عن غذائه بطاقة قليلة، ولا يشرب «الجربوع» الماء حتى وإن توفر وغذاؤه جذور النباتات وبراعم النباتات الصغيرة والبذور والحبوب، ولعله لا يشرب لأنه يكتفي بالرطوبة التي في النبات، ويحفر «الجربوع» حجره باتجاه انحداري ليصل إلى عمق متر أو مترين ويحفر حفرة جانبية تصل إلى السطح وتساعده في الهروب من أعدائه وتسمى (المنطاقة) ويحتار الرأي من كثرة المخارج ويربك أعداءه حيث يستطيع الخروج من أكثر من بوابة ويتكون عش «الجربوع» من وبر الجمل وأغصان النباتات!
و«الجربوع» من الثدييات ليلية المعيشة وانثاه تسمى الدعمول تجده يخرج بعيداً عن حجره لسرعته ولإيهام أعدائه وأهمهم الثعبان والإنسان ولسهولة عودته له على عكس بعض القوارض مثل الفأر وعادة ما تغلق الجرابيع جحورها في الصيف بالرمل الخفيف أو الشعر إما لحماية نفسها أو للمحافظة على رطوبة الحجر وتتكاثر ثلاث مرات في السنة وتضع صغارها من أربعة إلى خمسة بعد مدة حمل تصل إلى خمسة وعشرين يوماً، وتبقى الأم بجانب صغارها في العش ترضعهم وكذلك الأب يبقى قريباً منهم وبعد خمسة أسابيع تفتح الصغار عينيها وتخرج مع أمها وبعد تسعة أسابيع تترك الصغار والديها.
ويستخدم «الجربوع» ذيله للاستناد عليه عند الوقوف ويستخدم أكواع رجليه، وكذلك الذيل لحفظ توازنه عند القفز وعند تغيير اتجاه سيره ويقال إن لحم «الجربوع» غني بالبروتينات وهو أنواع فمنه المصري الصغير، و«الجربوع» الفراتي «الشيرازي» وله أنواع عديدة ويتواجد في أماكن كثيرة، ويستعمل اللفظ العربي (Jerboa) كاسم للقارض في معاجم اللغات.
وتكثر في فصل الربيع مطاردة «الجرابيع» وخرج علينا مصطلح «الجربعة» حيث يقوم مجموعة من الشباب لرحلة برية هدفها صيد هذا الحيوان وغالبية هؤلاء لا يبحثون عن اللحم بقدر ما يريدون لحظات من الفرح والسعادة وهم يطاردون هذا القارض الليلي اللطيف!
فهناك من يستخدم شماغه أو ضوء سيارته وآخرون يعتمدون على مهارة الجري إلا أن «الجربوع» في الغالب يهرب لسرعته ولولا وجود مساندة من الزملاء وضوء السيارة لكان من الصعب إلقاء القبض عليه وكثيراً ما سمعنا عن مخاطر وقعت منها انقلاب السيارة أو دهس البعض أو تعرض أحدهم للدغة ثعبان أو عقرب وغالبية الذين يتعرضون للدغ هم الذين يبحثون في حجور الجرابيع التي عادة ما تتواجد فيها الثعابين ف«الجربوع» ما إن يشاهد الثعبان يهرب بعيداً ويقوم بإنشاء منزل جديد له. وتقول العامة إن «الجربوع» قال للثعبان عندما دخل حجره تمدد بها يا أبو طويلة وهرب فيأتي البعض ليصطاد «الجربوع» فيصطاده الثعبان!
ولكن تعامل الرعاة مع «الجربوع» مختلف كلياً عن «المجربعين» الجدد فهم الأقرب منه والأكثر معرفة ففي وقت فراغهم ينظمون ألغازاً يكون حلها ««الجربوع»» وإذا اصطادوه وارادوا الضحك عليه يقومون بقطع ذيله كمركز ارتكاز فلا يستطيع القفز وإذا أراد ذلك يسقط على رأسه والبعض منهم في نهاية الأمر يقوم بربط ذيله وحسب ما قال لي أحدهم فيستطيع الهرب وهناك آخرون يقومون بوضع «عود» في ظهره بشكل عرضي ويأخذون بمطاردته فيلجأ إلى حجره إلا أنه لا يستطيع الدخول لأن العود يعترض في الحجر وهم يركضون خلفه ويقولون:
دل الشعبوك اللعبوك *** لأمك وأبوك
وحقيقة لم أعرف معنى ما سبق لكن أحدهم أفاد بأن «الجربوع» في هذه الحالة يتخبط من الألم ويهرول دالاً إلى بقية الجرابيع.. أو إلى جحورهم!، أما الشعراء فهم يرون هذا الحيوان اللطيف بعين المحبة ويشفقون عليه ويرفضون ممارسة العنف معه أو قتله بل ويشفقون لحاله.
يقول أحدهم واصفاً حالة من الحالات:
يا ونّتي ونت «الجربوع»
سكسين ديزل توطنه
يوم التفت للذنب مقطوع
ومن القهر جرها ونّه
بل إنّ البعض منهم يرى أن المرأة الشاعرة أقل من الرجل في معرفة حيوانات الصحراء ونباتاتها فيقول:
البيض عند الشاعره اسمه التين
ولا شافت «الجربوع» تقول ذا فار
أما الأوروبيون فهم مولعون بتربية الفئران والجرابيع ويذكرون أن «الجربوع» من الصعب أن يتوالد في الأسر وإذا وضعت الأنثى تتركهم يموتون وبعضهم نجح في تكاثرهم ويعيش «الجربوع» بين 5 - 6 سنوات في الأسر!، ويقول أحد أبناء البادية الذين اقتربوا في تعاملهم مع هذا الحيوان البري بأنه رغم الذكاء الذي يدل عليه أفعال القارض إلا إنني اكتشفت أنه غبي وعندما سألته كيف؟
قال إنني كنت اقترب من حجره فأجد القصعة وهي بداية الحجر المقفل وأجد بجنبها المنطاقة ويوضع على فتحتها تراب ناعم وبين الاثنين ويسكن «الجربوع» فأقوم بوضع عود صغير من النبات في داخل القصعة وأصدر حركات صوتية كأن أقول «فط فط فط» وبسرعة فيظن أن هناك جربوع آخر فيحرك العود وعندما أراه يتحرك ادرك أنه بالقرب مني فأقوم بتهديم بيته عليه بضربة خلف القصعة وألقي القبض عليه وللمعلومية فإن «الجربوع» يقفل حجره بالتراب خوفاً من الأفاعي وبالشتاء يقوم بفتحه حتى يكون هناك نذير له من قدوم الأمطار فما ان يسيل حجره حتى يخرج وبسرعة، وأذكر أن هناك شاعراً قام بصياغة لغز شعري يقول فيه:
إن جيت عنده فقع وانحاش *** ما يقعد.. عنده اليا جيته
ولا ودا.. حبه على القراش *** ولا جاب كسوه لأهل بيته
ويعني بقوله القراش أي الطحان، و«الجربوع» يشوى على النار ويؤكل بالكامل بما فيه الذيل إلا أن عشاق «الجربعة» لا يأكلونه ولكنهم يسعدون بمطاردته وصيده!