أمر الله تعالى عباده بالإيمان به والإخلاص في ذلك، قال تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ? وَذَ?لِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)، فتعرف ما هو الإخلاص ؟، ومن هم عباد الله المخلصين؟.
معنى الإخلاص لغةً من الصّفاء والنّقاء من الشّوائب، لذلك سمّي اللّبن النّقي بالخلوص، أمّا اصطلاحًا فالإخلاص يطلق على العمل الذي يصدر من قبل المسلم وتكون النّية فيه خالصةً لله تعالى من دون رياءٍ أو سمعة، فالمسلم الذي يقوم بالتّصدق على الفقراء من ماله فيخفي تلك الصّدقة حتّى لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله بلا شكّ مسلمٌ مخلص عمله لله تعالى، والمسلم الذي يبذل روحه في سبيل الله تعالى مقبلاً غير مدبر يرتجي رضا الله سبحانه وحده وجنّته هو مسلمٌ مخلصٌ لله تعالى، فكلّ عملٍ صالحٍ يبغي المسلم فيه وجه الله تعالى ويقصده هو من الإخلاص، كما أنّ الإخلاص يقتضي المتابعة، فكلّ مسلمٍ مخلصٍ لله تعالى تراه حريصًا على اتباع ما أمر الله تعالى به ونبيّه الكريم من أفعال، وينتهي عمّا نهى عنه الشّرع، وفي الحديث الشّريف عن النّبي عليه الصّلاة والسّلام لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعًا لما جئت به، فالتّخلص من مطامح النّفس وكبح نوازعها وشهواتها، وزرع القناعة والرّضا فيها هو بلا شكّ من علامات و دلائل الإخلاص في النّفس وآثارها.
إنّ هناك درجةً أعلى من درجة الإخلاص لا يصلها إلا القليل من الناس وهي الدّرجة التّي يتحوّل المسلم فيها من رتبة المخلِصين إلى درجة المخلَصين، وقد تعرّض نبي الله يوسف عليه السّلام إلى محنةٍ شديدة حتّى سجن بضع سنين، وقد شاء الله تعالى له بعد فترة السّجن أن يتبوّؤا مكانةً في مصر حيث سمع به الملك وعرف فضله وأنّه بريءٌ ممّا اتهم به، فقال لمن حوله ائتوني به استخلصه لنفسي، أي أجعله من خواصّ النّاس المقرّبين إلي، ولا ريب بأنّ تلك المكانة منحت سيّدنا يوسف عليه السّلام سلطاتٍ وقوةً ونفوذاً حيث أصبح وزير الماليّة في عهد الملك، ولله المثل الأعلى فإنّه سبحانه يستخلص من عباده المؤمنين رجالًا قد اجتمعت فيها صفات الكمال والتّقوى ومنهم أنبياءه عليه الصّلاة والسّلام، حيث أعطاهم الله تعالى مكانةً ليست لأحدٍ غيرهم ويعتبرهم رسله إلى النّاس، وإنّ المسلم قد يصل إلى هذا المكانة ولابدّ أن يمرّ بمرحلة الإخلاص في العمل حتّى يرتقي إلى تلك المكانة الرّفيعة حيث يصبح مخلَصًا لله تعالى.
