تعدّ الحرّية مطلب و حلم كثيرٍ من شعوب العالم ، فعلى مدار التّاريخ سعت الشّعوب المختلفة لنيل حريّتها و استقلالها و كافحت من أجل ذلك و بذلت الغالي و النّفيس ، و إن ديدن الظّالمين دائماً هو سلب إرادة النّاس و جعلهم عبيداً ليتمكّن الظّالم من أمر النّاس و يتحكّم بهم ، و قد أكّد الإسلام على حريّة الإنسان و عني بها اهتماماً خاصّاً ، فقد جاء الإسلام كما عبّر عن ذلك الصّحابي الجليل ربعي بن عامر رضي لله عنه لإخراج النّاس من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد ، و لا ريب بأنّ العبوديّة هي الشّكل الرّئيسي المعبّر عن سلب الحريّة ، فحين يسلب الإنسان حقّه في اختيار دينه و اختيار من يعبده يعيش كالأسير في بين يدي آسريه ، و قد أكّد الخليفة الرّاشدي عمر بن الخطّاب رضي الله عنه على مسألة الحريّة حين اعتدى ابن عمرو بن العاص على واحدٍ من الرّعية فأمر سيّدنا عمر ذلك الرّجل بضرب ابن عمرو بن العاص و الإقتصاص منه قائلاً ، متى استعبدتم النّاس و قد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ، فذهبت تلك المقولة الخالدة مثلاً و قدوةً للأحرار على امتداد المعمورة .
و لا ريب بأنّ للحريّة حين ينالها الإنسان أحكامٌ و ضوابطٌ و إلا أصبحت فوضى ، و إنّنا نرى الحرية و للأسف موجودةٌ في الدّول الغربيّة حيث يعطى المرء حقّه في التّعبير عن رأيه و أفكاره و إن كانت تعدّت الحريّة عندهم حدود الأخلاق و الدّين فلم تعد هناك ضوابط تحكم العلاقات بينهم فشاعت المفاسد الإجتماعيّة و الجرائم الأخلاقيّة بصورةٍ كبيرةٍ .
و إن نظرةً سريعةً لما قرّره ديننا حول هذه المسألة يتبيّن منها الإنسان أنّ الإسلام قد أعطى النّاس حقوقهم و بالمقابل رتّب عليهم واجباتٍ و التزاماتٍ ، فالإنسان مطلوب منه أن لا يؤذي جاره بدعوى الحريّة ، و قد قال الرّسول صلّى الله عليه و سلّم ( و الله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه ، أي شروره و أذاه ) ، و كذلك من يسير في الطّريق عليه أن يعطيه حقّه و أن يلتزم بآداب المرور فيه فلا يعيق النّاس و يضع العقبات أو يرفع صوته بما يزعج النّاس و يؤذيهم ، فالحريّة هي مسؤوليةٌ على كلّ أفراد المجتمع .