من الشيوخ الذين نفعوا الدين الإسلامي بشكل كبير، وتركوا تراثً واسع لا تزال يرتقي العلماء إلى مؤلفاته وكتبه، وشيخ الإسلام ابن تيمية نموذجاً حياً على ذلك، وهو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن آبي القاسم بن محمد بن تيمية، والمعروف باسم تقي الدين أبو العباس التميري، والذي لقب "بشيخ الإسلام" لما نفع الدين من كتب ومعارف، وهو من علماء الحنابلة، وقد تناول العديد من المواضيع من إجماع وفقه وحديث، وقد كان شاباً ورعاً لم تكن له صبوة، ولم يُذكر له عثرة أو زلة، فقد عاش مع أعمامه وهم أهل ولاية، وقد تربى في بيت إمامه، وحفظ القرآن من الصغر، واخذ السنة وآداب الإسلام من أهلها وخاصتها، وكان معروفاً بصفاء الذهن والدهاء والحكمة، ومجابهة القراء، والقدرة الفائقة في تحصيل العلم والاستنباط وتعليق وحوار وتأليف، وكان لكتابته الأثر البارز في إغناء الباحثون بقضايا الأمة وعقيدتها، ومن أهم ما جاء في كتاباته رحمه الله الاقتباس التالي الذي يوضح مدى مرجعيته بكافة أمور الدين لله عز وجل، وقد جاء على النحو الآتي:
( فَدِينُ الْمُسْلِمِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى إتباع كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَمَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ أُصُولٌ مَعْصُومَةٌ وَمَا تَنَازَعَتْ فِيهِ الْأُمَّةُ رَدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ . وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُنَصِّبَ لِلْأُمَّةِ شَخْصًا يَدْعُو إلَى طَرِيقَتِهِ وَيُوَالِي وَيُعَادِي عَلَيْهَا غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُنَصِّبَ لَهُمْ كَلَامًا يُوَالِي عَلَيْهِ وَيُعَادِي غَيْرَ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ بَلْ هَذَا مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ يُنَصِّبُونَ لَهُمْ شَخْصًا أَوْ كَلَامًا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ يُوَالُونَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ أَوْ تِلْكَ النِّسْبَةِ وَيُعَادُونَ . وَالْخَوَارِجُ إنَّمَا تَأَوَّلُوا آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى مَا اعْتَقَدُوهُ وَجَعَلُوا مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ كَافِرًا ؛ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ خَالَفَ الْقُرْآنَ فَمَنْ ابْتَدَعَ أَقْوَالًا لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الْقُرْآنِ وَجَعَلَ مَنْ خَالَفَهَا كَافِرًا كَانَ قَوْلُهُ شَرًّا مِنْ قَوْلِ الْخَوَارِجِ . وَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْأُمُورَ الْمَعْلُومَةَ مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَمَّا يُعَارِضُهَا جَوَابًا قَاطِعًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ ؛ بِخِلَافِ مَا يَسْلُكُهُ مَنْ يَسْلُكُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ). وقد عرف ابن تيمية مفسراً، حيث جارى المفسرين، واطلع على كتب التفسير، سواء المألوفة منها أو ذات المنهج العقلي، فانتقى منها درراً خرج منها بخلاصة من كلامه وصياغته، أفادنا بها كثيراً، فكان أحياناً يذكر الآية ومن ثم يسهب في معانيها ومقاصدها وما ترمي إليه، فقد كان عالماً بتفسير، مطبقاً لأحكامه. وقد كان ابن تيمية محدثاً، فأدلى بشتى المدائح من علماء الأُمة الأجلاء، وهم الصفوة من الأمة وخيارهم، فكان يستشهد مواضيع عدة من الاعتبار والشواهد، ويذكر المعنى وما يرمي الحديث إليه، ومن روى الحديث.
كما كان ابن تيمية فقيهاً، فقد كان بغوص في معاني النصوص والغوص في دلالة النقل، حيث أدرك أقوال المذاهب من الأئمة، والروايات وصحتها، وبين النص من عينه، وما يوافقه أو يخالفه.
كما كان له دوراً كبيراً في الحث على الجهاد ، حيث وضع العديد من الفتاوى حول حكم الجهاد،، وتجهيز الجند، فشارك في غزوة عين جالوت ضد المغول، والتي تعتبر المعركة الوحيدة التي شارك فيها، كما كان له دور في دعم الجيش وشحذ جهودهم، وزاد من عزيمة الحكام، وكان على رأس جيش دمشق، وطلب المال من تجار دمشق ليقوم بتأمين جيش الدفاع، حارب المغول وانتصر عليهم، فكان مجاهداً في جيشه، محبوباً في قومه.