الإجهاض في اللغة هو الإسقاط، وإجهاض الجنين أي أن تقوم الأم عامدة بإنزال جنينها الذي حملت به. والإجهاض في جميع الأديان أمر محرم بشكل قطعي، وهو حرام على الأم ومن يعاونها في هذا الأمر البشع مهما كانت صفته. ولكن يتبادر إلى الأذهان سؤال عن إجهاض الجنين المشوه، وهو الجنين الذي ثبت تشوهه من قبل أطباء متخصصين وبشهادتهم، هنا تختلف نظرة الشرع إلى موضوع الإجهاض. في البداية؛ يتم النظر إلى نوع التشوه ومداه وإمكانية علاجه، فإن تشوها بسيطا ويمكن علاجه خلال فترة الحمل؛ فلا يجوز الإجهاض نهائيا، حيث أنه يعتبر إعتداءا على نفس بشرية بدون مبرر. وأيضا إن كان التشوه ممكن علاجه بعد الولادة وخلال فترة حياة الطفل، فلا يجوز الإجهاض، حيث أن الإسلام يعطي العلم مكانة كبيرة؛ ويستند على حكمه في كل الأمور التي يختص بها ومنها علم التشوهات والأمراض، فالعالم والمفتي لا يمكن أن يتخذ قرارا بموضوع طبي بدون استشارة ذوي الإختصاص من أهل الثقة والعلم والمشهود لهم.
هناك حالات حيث يكون التشوه كبيرا ولا يمكن علاجه لا في الرحم ولا أثناء حياة الطفل، في هذه الحالة أجاز العلماء الإجهاض بشرط ألا يكون عمر الجنين قد تجاوز المئة والعشرين (120) يوما؛ وهي المدة التي تنفخ الروح في الجنين، فيعد هذه الفترة لا يجوز الإجهاض إطلاقا؛ لأنه يكون قتل نفس بغير ذنب. أما قبل هذه المدة فيجوز الإجهاض بالشروط المذكورة وبعد أخذ رأي ذوي الإختصاص والعلم بحالة الجنين؛ وتكون كل حالة منفردة بفتواها عن غيرها، فلا يجوز أن يأخذ شخص فتوى لإعاقة ويطبقها على حالة لديه، حيث أن الظروف والإمكانيات تختلف من حالة لأخرى؛ وكذلك التطور العلمي يختلف من زمن لآخر، فما كان من المستعصي علاجه في السابق من التشوهات، قد يكون أصبح علاجه الآن ممكنا، وكذلك الحال على التشوهات التي لا يوجد لها علاج و دواء اليوم، من الممكن أن يوجد لها علاج و دواء في المستقبل وربما القريب جدا، فالعلم يتقدم ويتطور يوما بعد يوم. فيجب أخذ كل حالة على انفراد؛ وعدم التعميم على حالة بعينها.
وأجاز العلماء إجهاض الجنين المشوه بعد مرور فترة المئة وعشرون (120) يوما؛ إذا كان هنالك خوف على حياة الأم، كأن يكون التشوه سببا في مضاعفات خلال فترة الحمل أو أثناء الولادة، فأجازوا إجهاضه خوفا على حياة الأم وليس بسبب تشوه الجنين. ولكن إن لم يكن الجنين مشوها وتجتوز عمره الفترة المذكورة؛ ولم يكن هنالك خطر على حياة الأم فلا يجوز الإجهاض، ويجب على الوالدن استقبال طفلهما والصبر على ما ابتلاهما الله به، فهذا ابتلاء من الله عز وجل ويدخل ضمن قضائه وقدره، وقد وعد الله سبحانه وتعالى عباده الصابرين بالأجر والثواب الجزيلين لقاء صبرهما ورضاءهما بقضائه وقدره، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)، ولا تدري يا أخي ويا أختي، فقد يكون في هذا الأمر خير عظيم لكم لقوله تعالى (فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)، فقد يكون هذا الطفل المشوه شفيعا لكم يوم لا ينفع مال ولا بنون، وقد يكون لصبركم واحتسابكم أجرا يقيكم نارا وقودها الناس والحجارة، وقد يكون مصدر فخر لكم في حياتكم، فأنتم لا تعرفون من أين يأتي الخير، والله سبحانه وتعالى هو الخير، فأحسنوا الظن بالله.
والله تعالى أعلم.