من المعلوم أنّ الإنسان قد حباه الله و أكرمه بنعمٍ كثيرةٍ لا تعدّ و لا تحصى ، و من بين هذا النّعم امتلاكه لحواسٍ تمكّنه من التّفاعل مع محيطه الخارجيّ و الاستجابة للمؤثّرات المختلفة و إعطاء ردود الأفعال المناسبة ، و من بين هذه الحواسّ حاسّة الشّم التي يستطيع الإنسان من خلالها شمّ الأشياء و تمييز رائحتها و العضو المختصّ بذلك في جسد الإنسان هو الأنف ، و حاسّة التّذوق التي يستطيع الإنسان من خلالها تمييز طعم و نكهة الأطعمة المختلفة و الاستمتاع بها و العضو المختصّ بها هو الفم ، و كذلك حاسة السّمع التي يستطيع الإنسان من خلالها تمييز الأصوات المختلفة و سماعها و العضو المختصّ بها هو الأذن و حاسة السّمع و حاسّة اللمس التي تختصّ بها العين و اليد .
و هناك حاسّة تكلّم العلماء عليها و إن لم يثبتوا وجودها اثباتاً يقينياً و هي الحاسّة السّادسة ، فكثيراً ما تقابل أناساً تراهم يملكون قدرة على قراءة الأحداث أو التنبّؤ بحدوثها و تتعجّب و تتساءل في نفسك ما الذي منحهم هذه القدرة ، و الحقيقة أنّ هذه القدرة لا تأتي بالمصادفة و إنّما تأتي نتيجة الخبرات التي يمرّ بها الشّخص و صفاء السّريرة و الذهن التي يمتلكها و ربما كانت أساليب العيش مؤثرةً في خلق مثل هذا النّوع من التّبصّر في الأمور و قراءتها ، فترى الذين يعيشون في الأرياف حيث الخضرة و الهواء النّقى يمتلكون ذهناً نقيّاً صافياً أكثر من الذين يعيشون في المدن حيث يكثر التّلوث و الضّوضاء ، فهناك عوامل كثيرةٌ تلعب دوراً في خلق هذه الحاسّة .
أما في ديننا الإسلامي فهناك الحكمة و البصيرة التي تقابل الحاسّة السّادسة ، و قد كان الصّحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه متبصّراً في الأمور يمتلك قدراتٍ خاصّةٍ في قراءة الأحداث و التّنبّؤ بها ، و قد قال النّبي عليه الصّلاة و السّلام أن فيمن سبق كان هناك أناسٌ محدّثون و إن يكن في أمته أحدٌ فعمر رضي الله عنه لما كان يمتلكه من بصيرةٍ نافذةٍ ، و من القصص التي تروى في ذلك أنّه خاطب يوماً و هو على المنبر صحابياً اسمه سارية كان قائداً لجيش من المسلمين في معركة مع الفرس يطلب منه و يرشده لللجوء إلى الجبل بعد أن تكاثر الخطر عليهم ، فالإيمان يقوي البصيرة و يشحذها .