إنّ للمعلم فضل عظيم في المجتمع وفي الأمّة بأسرها، فهو الذي يربّي الأجيال، وينشئ التنشئة السليمة، فيعلّم القراءة والكتابة، ويزرع القيم الإيجابيّة، ويغير أو يعدّل ما استطاع من القيم السلبيّة، وينشر بنور علمه العلم والمعرفة، فيمحو به ظلام الجهل، فيغدو الجيل واعياً متعلماً نافعاً لوطنه وقضيته وأمته، وقد أكرمه أحمد شوقي عندما قال:
قم للمعلم وَفِّهِ التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولاً
إنّ رسالة المعلم هي أعظم رسالة، فهي رسالة الأنبياء بحق، فالعالِم أكثر النّاس خشية لله ـ سبحانه وتعالى ـ فقال سبحانه : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر: 28)، وهو أيضاً يتميّز عن الذي لا يعلم كما جاء في القرآن الكريم، فقد قال سبحانه: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُواْ الْأَلْبَابِ) (الزمر:9)، كما أنّه يستحق استغفار الملائكة له، وحتى الحيتان في البحر تستغفر لمعلم الناس الخير؛ لما جاء في سنن أبي داؤود من قوله صلى الله عليه وسلم: (وإنّ العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإنّ فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنّ الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) (3) وقد حظي المعلم في عصور الإسلام الذهبية بمكانة مرموقة، تمثلت في حسن معاملته وإكرامه من الأمراء والسلاطين، وما ذلك إلّا لتقديرهم للدور العظيم الذي يقوم به.
هناك واجب علينا نحو المعلم، يتمثل في احترامه وتقديره، وتوفير سبل العيش الكريم له، والاستفادة من علمه، والتعاون معه في تحقيق رسالته العظيمة، فالمعلم يجب أن لا يعاني بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، وتدنّي الراتب، بل يجب أن يكون في مقدمة الشرائح في المجتمع وظيفياً؛ لما فيه من خدمة لرسالة العلم وإعلاءً لشأنها، وبالتالي إنتاج القادة الذين يبنون المجتمعات، ويرتقون بشعوبهم وأمتهم.
في المقابل فإنّ اهتمامنا بالمعلم يحتم علينا اهتماماً متوازياً بالعلم، من حيث أنواعه وأشكاله، وسبل تحصيله والارتقاء به، وعمل ورشات العمل والأبحاث الهادفة لتطويره، والتنافس في تحصيله، وإعلاء شأنه وقيمته في المجتمع، وتوفير ومساندة التخصّصات فيه واهتماماً في ذات الوقت بالطالب؛ وتقديم كلّ أشكال الدعم والمساندة والتشجيع له؛ لأنّه سيصبح معلماً بعد فترة، أو مبدعاً في اى مجال من مجالات الخدمة في المجتمع ومن هنا كانت هذه دائرة متصلة من الاهتمام تبدأ بالمعلم، وتنتهي بالطالب وبينهما العلم، وهي أهمّ عناصر في نهضة المجتمعات وتطوّرها وتقدّمها.