يُعدّ ابن خلدون من أبرز من كَتَب بما يسمّى بعلم الاجتماع ، أو العمران البشريّ ، وكذلك في طبائع البشر، ولابن خلدون كتابٌ اشتهر باسمه وهو مقدّمة ابن خلدون.
ولِدَ ابن خلدون في عام 1332م ، واسمُه : عبد الرحمن بن محمد ، ابن خلدون أبو زيد، وليّ الدين الحضرمي الاشبيلي ، وأصله من الأندلس ، ومولده بشمال إفريقيا ، حيث وُلِدَ في مدينة تونس تحديدا ، وتولّى فيها القضاء وكان على المذهب المالكيّ .
كثيراً ما نسمع عن مواقف الغرب من العَرَب ،ونسمع بعض العبارات وكلمات وعبارات التي تتردّد هنا وهناك ، عن أنّ أمّة العرب هي أمّة ثانويّة وليست ذات ثقافة أو مشاريع حضاريّة بارزة ، وهذا النقد أو ذاك تعجّ بهِ المنتديات والثقافات المُضادّة للأمّة العربيّة.
ولكن ما أن يَصدر مثل هذا الكلام من عالِمٍ بحَجم ابن خلدون ، فهُنا تكون الكارثة والطّامةُ الكُبرى خصوصاً وهو من المؤصّلين لعلم الاجتماع ،وعلم طبائع البشر.
ابن خلدون له كثيرٌ من الكلام الذي لم يرضَى عنه العرب ، فقد هاجمهم بطريقةٍ لم تكن مستساغة وفيها كثيرٌ من الظلم في حقّهم وسنبيّنها في بعض الاقتباسات من خلال أفكاره وكتبه.
ومن جُملة ما كان ينسبه إلى العَرَب هو الهمجيّة وبأنّهم أصحاب سلب ونهب ، وأنّهم هدّموا المدن وأزالوا الحضارات ، وهذا يُناقض الواقع الذي يشهد بأنّ العرب شيّدوا مُدُناً ما زالت قائمةً حتّى اليوم شاهدةً على جهودهم في بناء الحضارات وتشييد الفكر ، حيث يقول ابن خلدون" إنهم في الأصل- أي العرب - أمة متوحشة همهم نهب ما عند الناس ، و حتى عندما كونوا دولا منذ زمن الخلافة الراشدة ، فقد زالت بسرعة ،و تقوّض عمرانها و أفقر ساكنه".
ويَصِفُ ابنُ خلدون هذا الوصف بالعرب على جُملةٍ واحدة ، فليسَ عندهُ فرقٌ بين عرب البادية وعرب المدينة أو الحضَر، ويتّضح هذا الجمع بين الحديث عن العرب بصيغة عامّة عند التعمّق في كتابات ابن خلدون.
والواقع أنّ الحديث بهذه الصيغة عن أمّة اختار الله نبيّها صلّى الله عليه وسلّم منها ، واختار كتابه العزيز القرآن الكريم ؛ ليكون بلغة هؤلاء القوم ، هوَ من تمام التكريم والتشريف لهذه الأمّة التي أنجبت خير نبيّ ، وأنجبت خيرَ صحابةٍ لهذا النبيّ عليه الصلاة والسلام ، وهم الذين فتحوا المشارق والمغارب ، وهم الذين هزموا دولتي الفرس والروم ، وهم الذين كانت منهم الخلافة الراشدة التي كانت على منهاج النبوّة ، وكان لهم مُلك بني أميّة في عصر الدولة الأمويّة ، وكان منها عصر الحكم العبّاسي ، هذه الدولة التي وصلت إلى أكبر رُقعة جُغرافيّة لم تتكرّر على مدى التاريخ وكان ذلك زمن الخليفة العباسيّ هارون الرشيد ، ووصلت الأمّة إلى عصر النبوغ الفكريّ وعصر الثورة العلميّة والفكريّة زمن المأمون الخليفة العباسيّ ابن الرشيد، فهذه الأمّة العربيّة ليست كما وَصَفها ابن خلدون بهذه الأحكام الجائرة ، وحتّى لو كان هُناك أي نقص أو تقصير أو أخطاء ، فلا يصحّ التعميم بأي حالٍ من الأحوال.