لا شكّ بأنّ فريضة الجهاد في سبيل الله تعالى من أعظم فرائض الإسلام، بل هي من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى وأعظمها أجرًا، كما أنّ الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام، وقد بيّن النّبي عليه الصّلاة والسّلام حال الأمّة حين تترك الجهاد في سبيل الله حين قال: إذا تبايعتم بالعينة وتركتم الجهاد في سبيل الله سلّط الله عليكم ذلًا لا يرفعه عنكم حتّى تعودوا إلى دينكم. والجهاد في الإسلام بلا شكّ له أحكام وضوابط، كما أنّ الجهاد في الأسلام له أنواع؛ فقد يكون الجهاد فرض عين على كلّ مسلم حين يحتّل شبراً من أرض المسلمين، كما قد يكون الجهاد فرض كفاية إذا فعله البعض سقط عن الباقين، ويسمّى جهاد الطّلب، وينطبق هذا الجهاد على جميع الحملات التي كانت تقوم بها الجيوش الإسلاميّة لفتح بلاد الكفر، ويتساءل بعض النّاس عن الزّمن الذي فرض فيه الجهاد؟ وهل كان في مكّة أو في المدينة؟
كانت الدّعوة الإسلاميّة في بدايتها تتّسم بطابع السّريّة، حتّى أنّ النّبي عليه الصّلاة والسّلام كان يجتمع سرًّا بالمؤمنين في دار الأرقم في بداية الأمر يتدراسون القرآن، وأمر الدّعوة إلى الله تعالى، ثمّ ساهم إسلام عددٍ من الصّحابة الذين اشتهروا بقوّتهم في تأييد الدّعوة الإسلاميّة، وأبرز هؤلاء الصّحابة هم: عمّ النّبي حمزة بن عبد المطلب، وعمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنهما، وفي ذلك الوقت لم يأمر الله تعالى نبيّه الكريم بجهاد الكفّار؛ ذلك لأنّ المرحلة كانت تستدعي الصّبر على الأذى والتّحمّل لأنّ نجاح الدّعوة يعتمد على تدرّجها، فلا يستطيع أحدٌ أن يقاتل من دون أن يستند إلى قاعدةٍ صلبة قويّة، فليس ثمّة دولةٌ للمسلمين وقتئذٍ، ولكن وبعد أن هاجر النّبي عليه الصّلاة والسّلام إلى المدينة المنوّرة وأسّس الدّولة الإسلاميّة، نزلت آيةٌ مدنيّة تعطي المؤمنين الإذن في قتال الكافرين، قال تعالى في الآية التّاسعة والثّلاثين من سورة الحجّ: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ )؛ فكانت هذه الآية بداية الانطلاق نحو قتال المشركين ودفع أذاهم، فحدثت بعد ذلك معركة بدر الشّهيرة؛ حيث انتصر المسلمون وقتل كثيرٌ من زعماء قريش، ثمّ معركة أحد وغيرها.
وأخيرًا يجب الإشارة إلى أنّ الجهاد في الإسلام محكومٌ بضوابط بيّنها النبّي الكريم حين وجّه جيشه يومًا قائلًا لا تقتلوا امرأةً ولا طفلًا ولا شيخًا ولا عابدًا في صومعته، ولا تقطعوا شجرةً ولا تهدموا بناء، وليس الجهاد ما تدّعيه كثيرٌ من الجماعات حاليًا الّتي ضلّت وأضلّت كثيرًا من النّاس .