من احتياجات الإنسان الأساسية التي لا يستطبع العيش بدونها هي توافر السكن الذي يؤويه من الحر والبرد ويشعره بالأمان من المخاطر التي تحيق به من حوله من البيئة أو من الأشخاص المحيطين به، إضافة إلى ذلك ومع مرور الزمن تزايد احتياج الإنسان للبناء، نظراً لتنوع احتياجاته الجسدية والعلاجية وغيرها، فبدأ ببناء الأسواق والمحلات التجارية، وبنى المستشفيات والمركاز الخدمية والملاعب والأماكن الترفيهية والأماكن الثقافية وغيرها العديد من الابنية التي تناسبه وتناسب احتياجاته جميعها. ولما كان الإنسان تواقاً إلى الجمال بفطرته التي فطر عليها، لم يستطع أن يتعامل مع الأبنية على أنها كومة من الحجارة والمواد الأخرى ترص فوق بعضها البعض ليتخذ منها مكاناً لتلبية احتياجاته فقط، بل تعدى ذلك إلى عمل لوحات فنية مذهلة، أصبح بعضها شاهداً على عظمة بانيها ومصممها عبر الأزمان والعصور لما تميزت به من دقة وإبهار فني وجمال لا نظير له، وقد تنوعت هذه الأبنية على مستوى العالم أجمع. ومن الحقائق الأخرى أيضاً أن الإنسان عكس ثقافته على هذه الأبنية مما جعل التصاميم تختلف من حضارة إلى أخرى، فطبيعة الأبنية في كل حضارة تتميز بطابع خاص، تختلف عن الحضارات الأخرى، من ناحية التصميم الخارجي والأعمدة وأشكال الغرف وشكل البناء الخارجي والديكورات الداخلية، ولا شك أيضاً أن شكل البناء يأخذ في عين الاعتبار الوظيفة المتوخاة من هذا المبنى.
لتصميم الأبنية احتاج الإنسان إلى علم قائم بذاته مختص في تصميم ورسم وتخيل البنيان، أطلق عليه اسم هندسة العمارة، وهي لا تخلو من التذوق الفني فهي فن بالأساس، نظراً لأن المعماري يجب أن يكون ذو ملكة إبداعية قادرة على رسم المجسمات وتوظيف كافة الإماكيات من أجل استغلال الفراغ لتلبية حاجات الإنسان عن طريق وضع المخطط المبدأي أو التصميم المتعلق بطريقة إدارة الفراغ واستغلاله وأماكن وضع الحجوم والمجسمات. يلزم المهندس المعماري أن يكون راغباً لهذا التخصص و أن يكون ملماً بالرسم لأن الأفكار المعمارية لا يمكن تطبيقها إلا إذا وضعت الرسومات المبدأية لها، كما يلزمه الإحاطة بالرياضيات وبعض العلوم الأخرى، وليزيد تألق الأبنية التي تمر من تحت يديه يلزمه توقد الذائقة الجمالية لديه، والتي بدونها ستكون أبنيته باعته لا حياة فيها. هناك البعض ممن يستخفون بهذا الفن ويحجمون دوره، لأنهم لا يعرفون أهمي البنيان في أنها من تعكي الانطباع عن الشعب والثقافة وعن الحضارة بدرجة ورئيسية، وليس بالضرورة أن تكون التكاليف باهظة، ولكن الضروري هو أن لا تخلو من انعكاسات ثقافية وتاريخية هامة.