الكلام وفنه هما من أعظم هدايا ونعم الله تعالى إلينا، منحه إيانا كي نستطيع التعبير عما يدور في خواطرنا من أفكار ومشاعر، وأيضاً كي نقول كلمة الحق بواسطته، والتي ربما تكون المنقذ لشخص من مقصلة الإعدام، أو من ظلمة السجون، أو من ظلم الناس له ولمحيطه من عائلته أو أقرابائه، خصوصاً في ظل التخلف المجتمعي الذي تعيشه شعوبنا العربية، مع وضوح المفهوم وتعريف ومعنى القرآني " ولا تزر وازرة وزر أخرى "، كل هذا وأكثر قد تفعله الكلمة واللسان الذي ينطق بها، لهذا حث الدين الإسلامي على استخدامه بكل تعرف ما هو حسن وجيد، وأطلق على استخدامه بكل تعرف ما هو حق مصطلح " الجهاد باللسان ".
سمى الإسلام استخدام اللسان لدعم الحق بالجهاد، لأن الإنسان حين ينطق بكلمة الحق قد يواجه المصاعب والمشاكل، لهذا فهو سوف يجاهد على صعيدين: الصعيد الأول وهو جهاده لنفسه التي قد ترفض النطق بهذه الكلمة لما هى اسباب متعددة قد يكون من أهمها الخوف مما ينتظرها من صنوف العذاب والمصاعب، أما الصعيد الثاني فهو جهاد الناس الذي تتعارض مصلحتهم مع هذه الكلمة. ومن أعظم وأسمى حالات الجهاد باللسان هي كلمة الحق عند السلطان الجائر، بحسب وصف الرسول – صلى الله عليه وسلم -، لأن هذه الكلمة قد تكلف صاحبها حياته، وليس حساته فقط بل حياة أحبابه وعائلته، لهذا فليس كل الناس هم من يستطيعون القيام بذلك، لأن قدرات الناس متفاوتة فليسوا جميعاً على مستوى واحد من الشجاعة والقوة والصبر والتحمل.
وأجر هذا الجهاد عند الله عظيم، وهو أعلم بنية من يجاهد بلسانه، وهو يعلم أيضاً بصعوبة هذا النوع من الجهاد، خصوصاً إذا كانت في دولة شمولية قمعية لا تعرف سوى منطق العصا والسجن والضرب وصنوف التعذيب المختلفة والمتنوعة التي تستخدمها ضد هؤلاء الناس، وأيضاً هذا المفهوم وتعريف ومعنى من الجهاد لا يشمل جماعة معينة دون عن الأخرى، بل تشمل جميع الناس الذين عانوا في حياتهم، فالله تعالى هو رب العالمين جميعاً، عنده العدل المطلق، فلن يغفل أو ينسى ما تعرض له الناس على اختلاف معتقداتهم وأديانهم من العذاب بسبب قولهم وإصرارهم على الوقوف في صف الحق والمظلومين، فالذين يقفون إلى جانب الحق هم من جميع أصناف البشر، وليسوا محصورين بجماعة معينة من الناس، فالعظماء وأصحاب الأرواح المتألقة والنفوس الشجاعة موجودين في كل زمان ومكان، وليسوا فقط في مكان أو زمان واحد، وهم من يصنعون التاريخ بجهادهم بلسانهم.