هذا إذا كان يتلو القرآن خارج الصلاة وَمَرَّ أثناء تلاوته بسجدة تلاوة، وكذلك يُشرَعُ السُّجودُ للتِّلاوة في الصلاة:فعن أبي رافعٍ قال: صلَّيتُ مع أبي هريرةَ العَتَمة فقرأَ: ِ? إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ? [الانشقاق: 1]، فسجد فيها، فقلتُ: ما هذه؟ فقال: سجدتُ بها خلف أبي القاسِمِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -، فما أزالُ أسجدُ فيها حتَّى ألقاه[2]. هذا وقد ذهب جمهورُ العلماءِ إلى مشروعيَّة سجود التلاوة في الصلاة السِّريَّة والجهريَّة (سواء صلاة الفريضةِ أو النَّافلة[3]، وهذا هو الراجح، إلا أنه في صلاة الجماعة السِرِّيَّة يُخشَى مِن حدوث بلبلة للمأمومين، بسبب هذا السجود المُفاجئ للإمام، إلا لو نَبَّهَ الإمام على المأمومين قبل الصلاة أنَّ هناك سجدة تلاوة أثناء الصلاة.
فضيلة سجود التِّلاوة: قال رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا قرأ ابنُ آدمَ السَّجدةَ فسجد، اعتزلَ الشَّيطانُ يبكي، يقولُ: يا وَيْلَهُ، أُمِرَ بالسُّجودِ فسجَدَ؛ فله الجنَّةُ، وأُمِرْتُ بالسُّجود فعصيْتُ؛ فلِيَ النَّار))[4].
تنبيه:الحُكم السَّابق فيمَن تلا آيةً بها سجدةٌ مِنْ كتابِ الله عزَّ وجلَّ، ولكِنْ ما حُكْمُ مَن استمعَ إليها ولَم يَكُنْ تاليًا؟
قال ابنُ بطَّالٍ: "أجْمَعوا على أنَّ القارئَ إذا سجد، لزِمَ المستمعُ أن يسجُدَ"[5]، أي: إنَّ المستمعَ مؤتَمٌّ بالقارئِ، فلا يُشرَعُ له السُّجودُ إلا إذا سجد القارئُ.
الذِّكْر والدُّعاء في سجود التِّلاوة:
عن عائشةَ - رضي الله عنها قالت: كانَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقولُ في سجودِ القُرآنِ: ((سجدَ وجهي للَّذي خلقَه، وشقَّ سمعَه وبصرَه بحولِهِ وقوَّتِه، فتبارَكَ اللهُ أحسنُ الخالِقين))[6]، ويجوز أيضاَ أن يقول فيها: (سبحان ربي الأعلى)، كما في سجود الصلاة.
الشُّروط في هذا السُّجود: اشترط جمهورُ الفقهاء لهذا السُّجودِ ما يشترطونَه لسجودِ الصَّلاةِ؛ من طهارةٍ، واستقبالِ القِبْلة، وسَتْرٍ للعورةِ، ولكنْ عارَضَهم بعضُ العلماءِ: قال الشَّوكانيُّ رحمه الله: "ليس في أحاديثِ سجودِ التِّلاوةِ ما يدلُّ على اعتبارِ أنْ يكونَ السَّاجدُ متوضِّئًا" [7]، وقد روى البخاريُّ - تعليقًا - عن ابنِ عُمرَ - رضي الله عنه - ما أنَّه كان يسجدُ على غيرِ وضوء[8]، وعلى هذا؛ فالرَّاجحُ أنَّه لا يُشترَطُ في سجودِ التِّلاوة ما يُشترَطُ في سجودِ الصَّلاة؛ لأنَّ هذه ليست صلاةً، فأقلُّ الصَّلاةِ ركعةٌ، وأمَّا هذه فسجدةٌ فقط، فلا يُشتَرَطُ فيها شُروطُ صحَّةِ الصَّلاةِ (من طهارةٍ، واستقبالِ القِبْلة، وسَتْرٍ العورةِ)، وهذا ما رجَّحَه ابنُ تيميَّةَ
ملاحظات :
1. سجود التِّلاوةِ مُستحبة على الرَّاجحِ من أقوالِ أهل العِلم، وعلى هذا فإذا لم يتمكَّنْ من السُّجودِ، فلا شيء عليه، ولا يُشرَعُ له ما يفعلُهُ بعض الناس من التَّسبيحِ والتَّحميد والتهليل والتكبير أربعَ مرَّاتٍ؛ فهذا لا أصلَ له.
2.يجوزُ للخطيبِ إذا مرَّ بآيةِ السَّجدةِ أن ينزلَ فيسجُدَها ويسجُدَها النَّاسُ معه، ويجوزُ له تَرْكُ ذلك ولا إثمَ عليه.
التَّكبيرُ في سجود التِّلاوة (يعني قول كلمة: الله أكبر): لا يُشرَعُ في سجودِ التِّلاوةِ تكبيرٌ، كما لا يُشرَعُ التَّسليم بعدها؛ لأنه لَم يثبتْ دليلٌ في ذلك، ولكن: هل يكبِّرُ إذا كانَ في الصَّلاةِ، ومرَّ بآيةِ تلاوةٍ؟!
لَم يثبتْ حديثٌ صحيحٌ صريحٌ في هذه المسألةِ، لكنْ رأَى الشَّيخُ ابنُ عُثيمين رحمه الله مشروعيَّةَ ذلك التَّكبيرِ؛ لعمومِ الحديثِ: "كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يكبِّرُ في كلِّ خفضٍ ورفعٍ"[10]، ومع هذا فلا نُنكِرُ أيضاً على مَن ينزل لسجود التلاوة في الصلاة دون تكبير، ثم يرفع منها دونَ تكبير.
ملحوظة: إذا كانَ يتلو القرآن وهو جالس - خارج الصلاة - وَمَرَّ بسجدة تلاوة، فلا يُشتَرَط أن يقوم ليأتي بها مِن قيام.