من حكمة التّشريع ورحمته بالنّاس أنّه ميّز بين الذّنوب فجعل هناك ذنوباً صغيرةً يغفرها الله وذنوباً كبيرةً حذّر الله منها أشد التّحذير وضابط التّمييز بين الذّنوب الصّغيرة والكبيرة أنّ الذّنوب الكبيرة هي التي ذكر الله ورسوله أنّها من الموبقات والمهلكات ، وحذّر من أنّ ارتكابها قد يجلب للمرء سخط الله ووعيده للمنافقين والضّالين بل وقد يناله عذاب الله سبحانه إن أصرّ عليها ولم يتب توبةً نصوحاً ، والذّنوب الصّغيرة هي ما دون ذلك من الخطايا والآثام والتي قد يعملها حتّى عباد الله المتّقين ويدخل فيها ما سمّاه ربّ العزّة في كتابه اللّمم .
و إنّ من كبائر الذّنوب والموبقات الإشراك بالله وقتل النّفس التي حرّم الله إلا بالحقّ والسّحر وأكل الرّبا وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين والتّولّي يوم الزّحف وقذف المؤمنات المحصّنات الغافلات ، فكلّ ذلك ممّا ورد عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّها من الكبائر ، ويدخل كثيرٌ من الأفعال تحت مسمى الكبيرة ، فالزّنا كبيرةٌ والنّميمة والغيبة والسّرقة وشرب الخمر ولبس الحرير لرجال الأمّة وخيانة العهد والأمانة والميسر ، كلّها كبائر يجب على المسلم الحذر منها واجتنابها .
و إنّ الذّنوب الصّغيرة هي ما يتمكّن المسلم من محوها بالاستغفار والإنابة إلى الله ، فقد ثبت عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّ رمضان إلى رمضان كفارةٌ لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر وجعل صيام بعض الايام كصيام يوم عرفة وعاشوراء كذلك كفّارة للذّنوب والخطايا ، وإنّ من الذّنوب الصّغيرة النّظرة المحرّمة وما شابهها من الذّنوب التي يغفر الله عليها ، أمّا الكبائر فلا تكفر إلا برحمة الله وإقامة حده على من يرتكبها ، فقد ثبت في قصّة الغامدية التي زنت أنّها عادت كيوم ولدتها أمّها حين طبّق عليها حدّ الزّنا .
و لا شكّ بأن نظرة المسلم للذّنوب والمعاصي تعتمد على درجة إيمانه وتقواه ، فالمسلم المطيع يرى ذنبه كأنّه جبلٌ يوشك أن يقع عليه وإنّ الكافر الضّال يرى ذنبه كأنّه ذبابٌ وقع على أنفه فأزاحه بيده فطار ، وقد كان الصّحابة يستعظمون الذّنوب الصّغيرة خشيةً لله وطلباً لمرضاته .