لا يمكن أن يخفى على أي أحدٍ من أمّةِ الإسلام الأجر الذي وعدَ به الله -عز وجل- حفظةَ كتابِه الكريم، ففي عصرِ النبوّةِ كان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لا يعقدُ الرايَة إلا للحفظة، ويقدم للحد أكثرهم أخذاً للقرآن الكريم، ويتقدم للإمامة أحفظهم، ولم يترك مجالاً إلا كان يحثُّ فيه على حفظ القرآن، حتى هو ذاته والله ينزل عليه محكم التنزيل كان يردّد آيةً آيةً؛ خشيةَ أن ينساه وهو النبي!! حتى قال الله له : "لا تحرك به لسانَك لتعجل به، إن علينا جمعه وقرآنه".
وقد تفطن الناس في العالم الإسلامي إلى الاهتمام وتوجيه أبنائهم إلى حفظ القرآن الكريم، ولم يثنهم عن ذلك لا سنٌّ صغير ولا شيخٌ كبير، فنجد بعضَ كبار السن يشرعون بحفظه مع أحفادِهم الصغار، ومؤخراً فقد انتشرت مشاريع تحفيظ القرآن الكريم بشكلٍ مكثّف، وانتشرت انتشارا واسعاً في كافّة أركان العالم الإسلاميّ، حيث يتم تفريغهم من أي عمل، وأي مجهود من شأنه أن يأخذ من وقت التفرغ للحفظ، وقد تكلّلت بالنجاح العريض .
إن إتمام حفظ القرآن الكريم بسرعة، يأخذ مدلولاتٍ عديدة، ولكن الحفظ السريع في غالبِ التجارب، كان يتراوحُ من عامٍ إلى شهر، ولكن الأشهر الآن هو إتمام الحفظ في شهرين، شريطةَ الالتزام فيما بعد بتثبيته ومراجعة حفظه مراجعةً دؤوبة. حيثُ إن معظم الجمعيّات، والمراكز المعنيّة بتحفيظ القرآن الكريم، تلزم طلبتَها بحلقاتِ المراجعة بعد الحفظ .
يبدأُ حفظ القرآن بشكلٍ سريعٍ من خلالِ الالتزام بأحدِ المؤسسات التي تتطلبُ حضوراً يوميّاً، والتفرغ من كافّة المشاغل، واستحضار النيّة لله في هذا العمل بغيةَ التوفيق، واستغلال وقت الفجر أيما استغلال في الحفظ، والابتعاد عن أماكن الضجيج، والتزام الأماكن الهادئة التي تساعد على التركيز، والابتعاد عن المعاصي سببٌ هام في إتمام الحفظ كما قالَ بذلك الإمام الشافعي -رحمه الله-، ويتوضأ ويتجه للقبلة، ثم يقرأ الصفحةَ قراءةً أوليةً مرةً أو مرتين، حتى يجيد أحكام تلاوتها وتشكيلِ كلماتها، ثم يبدأُ بتكرار الآيةٍ تلوَ الآية، ويعيدَ غيباً حزمةً من الآيات معاً، ثم يضيفُ لهذه الحزمة آيةً فآية، إلى أن يتم حفظ الصّفحة جميعها، ولكن ينبغي الانتباه إلى قضيّة المتشابهات، والحفظ بطريقةِ المتشابهاتِ هي من أقوى طرق ووسائل الحفظ، وأسرعه،ا وأكثرها تثبيتاً، تتمثل في عمليةِ الربط بين الآياتِ المتشابهة في السور القرآنية .
إن كل جزءٍ من أجزاء القرآن يتكون من عشرين صفحة، لذلك فإن إتمام الحفظ في شهرين يتطلّب حفظ عشر صفحاتٍ يوميّاً، إمّا أن ينهيَها بعد الفجر وذلك لصفاء الذهن، أو بعدَ كلّ صلاةٍ صفحتين، ثم يذهب في الصبيحة إلى الشّيخ الذي يتابع معه ويسمّع ما تم حفظه، ويقال إن طريقة المراجعة مع أحد الزملاء تعين أكثر .
حفظ القرآن بشكلٍ سريع من المشاريع الجادة، التي تحتاجُ إلى تحدٍّ واستعانةٍ بالله .