القوة عنصر مهم في حياة البشر، فالقوي تكن له الغلبة والسلطان، وإذا كانت القوة بلا عدل انتشر الظلم والطغيان وعمت شرعة الغاب؛ لكن بكل الظروف والأحوال فالقوة صفة محمودة يسعى الجميع لأن يحققها في ذاته وشخصيته، فالقوي فيه خير لذاته وخير لأهله وخير لأمته وشعبه، وقد صرح ربنا بحبه للرجل القوي في حديث الرسول الكريم عليه السلام إذ قال: "المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف"، وعند القتال ضد الأعداء كان للقائد القوي الأفضلية والأسبقية لقيادة الجيش، فلو كان القائد مؤمن ضعيف أو فاجر قوي فالقتال مع الفاجر القوي أجدى فإنما فجوره على نفسه وقوته للمسلمين؛ هكذا تظهر أهمية وفائدة القوة للإنسان والمسلم هو أجدر الناس بأن يكون قويا لأنه عبد لرب السماء وكل حدود الأرض هي حريته فلا يخاف من شيء إلا من الله وهذا أصل القوة.
كيف يمكن أن أكن قويا أو أن أصبح قويا؟
يختلف مفهوم وتعريف ومعنى القوة من شخص لآخر، هل القوة هي القوة الجسدية أم قوة الشخصية؟ لأن لكل من النوعين طريقة للوصول إليها لكن قوة الشخصية هي الأقوى والأدوم، فالجسد والمال والجاه والسلطان وكل المتاع الذي يحيط بالإنسان لا يزيد من قوته شيء إذا كان ضعيف الشخصية، فتراه يستند إلى المال ليقوى أو لسمعة العائلة مثلا.
أما عن قوة الشخصية فتبنى من قناعات كثير، فالقناعة أن كل من على الأرض ضعفاء والقوي قوة مطلقة هو الله سبحانه، ويندرج تحتها مبدأ العبودية والحرية، فالإنسان حر في تصرفاته وأفعاله ولا يحق لأحد أن يأتمره بشيء أو يخضعه لعمل بإجبار، فالإنسان ذو قرارات ومخير إذا كان حرا ومخيرا في عبادته لله، أفلا يكون حرا ومخيرا في تعاملاته مع البشر؟!
من هذا المنطلق تكون القوة، ويجب على الفرد أن يحرص على تقوية وتنمية شخصيته كالذي يقوي جسده وكالذي يحافظ على المال مصدرا بقوته، ويجب أن يقوي شخصيته بالتعامل والاحتكاك بالآخرين والتعقل في إصدار أحكامه، وأن يحرص على أن يكون ذا اطلاع واسع على كل ما يجري حوله وعلى ثقافات العالم وعلى طرق ووسائل التواصل الجيد والتعامل الأمثل.
وشيء آخر في التعامل ليكن في الحسبان أن الاحترام هو أساس القوة وأن الأخلاق الحسنة هي مصدر وافر لقوة الإنسان، فكم من متكبر كسرت أنفه كلمة خير وأسلوب راقي من طفل واعي وكم من صاحب مال وقوي به لا يعرف الناس له ابتسامة ولا كلمة طيبة فيحتقرونه رغم ماله فهو بنظرهم ضعيف جدا لا يملك من القوة شيء.
ثم إن لتنمية القدرات والمهارت دور كبير في تقوية وتنمية الشخصية، فالجسم كي يقوى يحتاج لتمارين ودورات لياقة وكمال أجسام، وهذه الشخصية تحتاج للكثير من العمل عليها من خلال تطويرها والارتقاء بها، ومحاولة عدم الوقوع في الأخطاء أكثر من مرة، والتقدم في الحياة بطرق وخطوات ثابتة وقوية لتمنح الشخصية القوة والصلابة، ومواقف الحياة كثيرة تعلم الإنسان وتجعل عوده يصلب ويقوى، هي خير معلم وخير دليل للقوة الحقيقة.