النفس والجسد هُما الصنوان اللذان يُعرف بهما الإنسان، فالنفس هيَ المُحرّك للجسد وهيَ مخزن الانفعالات العاطفيّة ومَناطق القيادة والتفوّق والإبداع، وكُلّما ارتفعت النّفس وارتقت أدّى ذلك إلى عُلوّ شأن صاحبها وارتفاع قدره وازدياد طُموحه ورفعته، وكُلّما تدنّت نفسه وتراجعت أحاط بالإنسان الفشل والنكوص والاضطراب، وكما أنَّ للجسد أمراضاً وأعراضاً تُصيبه، فإنَّ للنفس أيضاً أمراضاً تحتويها وتُحيط بها، وينبغي علاجُها إن وُجِدت.
ومِن أهم الصفات النفسيّة التي ينبغي لصاحب الالبحث عن النجاح والتفوّق في كافّة الميادين هي الثقة بالنفس، وتُعرّف الثقة بالنفس على أنّها الدافع والعزيمة والإعتقاد بالذات، وأيضاً هي القُدرة على تحقيق الأهداف من خلال ما يتمتع بهِ الفرد من ميّزات نفسيّة وقُدرة على مُجابهة الواقع، ولا يكون ذلك إلاً من خلال هذهِ الثقّة التي هيَ المُحرّك الدافع والقوّة الإيجابيّة الخلاّقة.
كَما أنَّ الثقة بالنفس تعني الإيمان بما تملك من مواهب وقُدرات وتَمّكنك من الهدف الذي تنوي القيام به، فإنّ الثقة البنّاءة لا تعني أن صاحبها لهُ الحقّ في الغرور والبطر والتكبّر، فالشخص الناجح هو الذي يُحقّق ما يصبو إليه دون أن يكون هذا طريقاً لهُ إلى احتقار الناس وإزدرائهم.
والثقة بالنفس تُزرع وتُغرس فيه من خلال التربيّة الأولى، فتقع على عاتق الوالدين تربية الأبناء على الثقة بأنفسهم وذلك من خلال تدعيم أسلوب الحوار والمُناقشة وإسداء النُصح البنّاء لهم، كما أنَّ توكيل الوالدين أبنائهم من القيام بمهامّ خاصّة بهم وتفويض بعض الصلاحيّات لهم ومنحهم مساحة من صناعة القرار تدعوهم إلى تحقيق الثقة بالنفس لديهم.
كما أنَّ إشراك الشخص نفسه في المُنتديات الفكريّة والحواريّة حيث يكون الرأي والقرار، وحيث تكون القيادة والريادة، فإنَّ مثل هذه الأنشطة تدعو إلى تدعيم الشخصيّة وإبرازها وتقدّمها وتحقيق الثقة التي تقود إلى الإنجاز والتقدّم.
ومن الأمور التي ينبغي للشخص أن لا يعتقدها في الثقة بالنفس أنّ الثّقة بالنفس لا تعني الاستبداد بالرأي، بل من قِمّة كَمال عقل الإنسان أن يستأنس برأي الآخرين، وأن لا يرى رأيه هو الوحيد هوَ الصائب، لأنّ الثقة بالنفس هيَ أن تثق بأنَ استشارتك للآخرين ما هيَ سوى لاجتماع العقول لتحقيق المطلوب وليس الاستبداد والتغطرس.
كما أنّ الثقة بالنفس تعني الحكمة والرويّة، فالواثق من نفسه تراهُ مُطرقاً في التفكير، ومُتأملاً وصاحب تؤدة، فلا ينطق جُزافاً ولا يتكلّم بما لا يتوافق مع الحقّ ومع المنطق، لأنّ الثقة في النفس ينبغي لها أن تتكلّل بالحكمة والرويّة، فبالمحافظة على هذهِ المَلَكَة تكون قد استقرّت لك ثقتك بالنفس واستدامت لك بعون الله.