يمكن لنا أن نحصر عظمة الإنسان في مجالين هامين: المجال الأول وهو عظمة الأخلاق، أما المجال الثاني فهو عظمة الفكر، فالشخص العظيم هو شخص عظيم في هذين المجالين أو أنه اكتسب عظمته من مجال واحد فقط إلا أنها لا تكون عظمة كاملة، بل تكون جزئية، فبعض العظماء يكونون عظماء وبشكل جزئي أما البعض الآخر فيكونون عظماء في المجالين، وإذا أردنا التمثيل على النمط الأول من الناس سنجد الفلاسفة فمثلاً هناك العديد من الفلاسفة الذين لا يمتلكون أي نوع من أنواع الأخلاق ولكنهم يمتلكون فكراً نيراً مستنيراً أثر في العديد من الناس، كذلك الأمر بالنسبة للشعراء، فقد يبهر الشاعر بشعره الناس، وعندما يسمعونه يظنون أنهم يسمعون شيئاً أعلى رتبة من الشعر، ولكن أخلاقه قد لا تكون حميدة بما يكفي، وهناك العكس فمن الناس مثلاً من هو عظيم خُلُقياً لكن فكره فكرُ بسيط جداً وهم كثر ومتواجدون على مر الأزمان واختلاف الأماكن. أما عظماء الفكر والأخلاق فهم كثر أيضاً ولكن أبرزهم على امتداد المكان والزمان هم الأنبياء فالأنبياء هم أكمل الناس أخلاقاً وأعظمهم عقولاً وفكراً وهم مثال يحتذى لكل من أراد أن يكون عظيماً، كما أن من أبرز الأمثلة على العظماء ورثة الأنبياء ممن رافقهم وعاصرهم ونقل عنهم ومن المفكرين المحترمين الذي جاؤوا من بعدهم والعلماء الأفاضل الذي كانت لهم إسهامات واضحة في شتى الميادين والمجالات المختلفة والمتنوعة، والذين اشتهروا أيضاً بأخلاقهم الرفيعة والعالية، فهذا كله مما يساعد الناس وبشكل كبير جداً على أن يعرفوا نمط الشخصية العظيمة إجمالاً وكيف يمكنهم أن يصبحوا عظماء عن طريق التمثيل بأمثلة واقعية.
العظمة تحتاج إلى جهد كبير يبذل في سبيل تحقيقها والوصول إليها، فهي لا تنال بين يوم وليلة فقط، بل تحتاج إلى جهد متواصل، ويمكن أن نخصص مثالاً وهو من احسن وأفضل الأمثلة على العظمة ألا وهو النبي والرسول محمد، فالرسول محمد قبل البعثة كان عظيماً بكل ما تحمله الكلمة من معنى حيث كان صاحب خلق قويم وكان أيضاً صاحب فكر والدليل اعتزاله في الجبل وحده ليتفكر ويتدبر في أمر هذا الكون، أما بعد البعثة فكان أيضاً رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صاحب فكر ونظرة ثاقبة بالإضافة إلى كونه كان على خلق عظيم، فأخلاقه وفكره كانا متلازمين على الدوام، ومن هنا فقد نالت هذه الشخصية العظيمة كل هذا المجد والشهرة الواسعة وكل هذا الاحترام من أصحاب العقول الراجحة.
