ابن بطوطة ، هذا الرحّالة العربي المسلم ، من مدينة طنجة ، الذي سميّ بـ ( شيخ الرحالين ) نظراً لشهرته الواسعة ورحلاته الكثيرة ، إذ ابتدأ رحلاته وهو في عمر 21 عاماً ، وأمضى ما يقارب 28 عاماً في الأسفار والرحلات ، فدوّن الكثير من أخبار البلاد ، إن كان عن المواقع أو عن الحالات الاجتماعيّة في كلّ بلادٍ قام بزيارتها والتجوال بها .
كان ابن بطّوطة مولعاً بمعرفة أخبار الناس وأحوالهم ، كانت المغامرة هي شغفه ، ويسعى دائماً للتجربة التي تصقل الإنسان ، فكانت أولى رحلاته عام 1326 م ، سعياً لأداء فريضة الحجّ ، مبتدئاً من مدينة طنجة سيراً على الأقدام ، وطائفاً بأنحاء المغرب ، متجهاً إلى الجزائر وتونس وليبيا ومصر ، مجتازاً البحر الأحمر متجهاً إلى مكّة المكر!مة .
أتمّ فريضة الحجّ متّجهاً بعدها صوب العراق وإيران ، ثمّ بلاد الأناضول ، ليعود مجدّداً إلى بلاد الحجاز ليؤدّي فريضة الحجّ للمرة الثانية عام 1329، متمماً إياها ومتجهاً إلى اليمن ، ومن ثمّ إلى الخليج العربي والبحرين ومنطقة الأحساء .
كانت وجهته بعد الخليج العربي هي بلاد البيزنطة أو ما يعرف ببلاد الروم ، حيث زارها كلها ، واتّجه عائداً مرّة ثالثة ليؤدّي فريضة الحجّ للمرة الثالثة في مكّة المكرّمة ، متمّماً إياها عائداً من البحر الأحمر إلى وادي النيل ومن ثمّ إلى سوريا ، حيث انطلق من بحر اللاذقية إلى آسيا الصغرى متجهاً إلى البحر الأسود ، ومنه إلى جزيرة القرم ، وزار روسيا الشرقية كاملةً ، ورحل من بعدها إلى القرم وبخاري حيث بلاد الأفغان ، ليصل دلهي ويمكث فيها لمدّة عامين .
رحل متجهاً الهند ومنها إلى جزر أندونيسيا والصين ، ومنها عاد إلى الجزيرة العربية وبلاد فارس ثمّ متجهاً إلى مكّة المكّرمة ليؤدّي فريضة الحجّ للمرة الرابعة عام 1347 م.
ومن بعدها عاد إلى بلاده ، ليعود في ترحاله مجدداً حيث قصد غرناطة ، ومن ثمّ يعود ليقوم برحلة في إفريقيا حيث استقر في مدينة المغرب ومات.
لم تكن هذه الأسفار التي قام بها ابن بطوطة بمثابة تسلية فقط أو حبّ المغامرة ، وإنّما اكتشف من خلالها عادات الشعوب وتقاليدهم ، حيث قام بتدوينها ونشر أخبارهم ، وعرف أنواعاً كثيرة من الأطعمة الغريبة التي تحدّث عنها ، وأغلب رحلاته لم تكن بتلك السهولة وإنمّا تعرض في كثير منها لمضايقات واضطهادات وعمليات سطو ، وقد أبدى خوفه ورهبته من عادات شعوبٍ اكتشفها وتعرّف عليها ، كانت مريبة بالنسبة له ، إضافة إلى العوامل الطبيعيّة التي اكتشف حدوثها في بقاع من الأرض لم يرها من قبل ، وأيضاً لاكتشافه حروباً قدّ شنّت في بقاع الأرض حيث اكتشف أسبابها وخفاياها .
وبذلك كانت كلّ رحلاته ، عبارة عن توثيق لما يهمّ من ثار على دربه ، في رحالهم وترحالهم .