يشهد هذا العصر الذي نحن فيه طفرة علمية وتكنولوجية رائدة ، ولكن مِمّا لا شكّ فيه أنّ هذا التطوّر لم يكُن صدفةً وإنّتعرف ما هو نتاج تراكم العلوم والثقافات وتلاقحها عبر القارّات ، لذا فإنّ الصرح العلمي الذي نراه ماثلاًُ أمامنا بأبهى حُلّة هو لقاعدةٍ قويّةٍ راسخةٍ توطّدت عبر القرون .
ومن أبرز العلوم التي تحتاجها البشريّة هو الطبّ ، فصحّة الإنسان كنزٌ ثمين ، يبذل المُلوك والفقراء ، السادةُ والعبيد ، أثمنَ ما لديهم للحفاظ عليها وديمومتها ، وهي من النعم المغبون عليها صاحبها كما في الحديث النبويّ الشريف .
الحضارات السابقة لم تكُن حضاراتٍ عقيمة ، بل هي سميّت بالحضارات لازدهار علومها ، فترى أنّ الفراعنة قد بلَغوا في الطبّ مراحلَ متطوّرة كما أبدعوا في تحنيط الموتى وغير ذلك ، وكذلك كانَ بنو إسرائيل في عهد عيسى عليه السلام .
وامتدادا لهذه العلوم كانت الحضارة الإسلامية المشرقة ، صاحبةَ نهضةٍ علميّةٍ فائقةٍ في الروعة ورائدةً في زمانها وعصرها ، وكانت الأمم الأخرى ترتحل إلى بلاد المسلمين طالبةً للعلم ، وقد شهِد العالم الإسلاميّ علماءَ في شتّى صنوف العلم وأبوابه ، فتجد فيهم الأطبّاء ، والفلكيين ، والرياضيين ، والفيزيائيين ، والمعماريين ومحترفو فنون البناء ، وبدون أدنى شكّ فقد كان للعلم الشرعيّ اهتمامه الفريد ، فقد حفِظَ الله الأمّة وتراثها القويم بعلماء أجلاّء أفذاذ .
ومن العلماء الذين نشهد لهم بالفضل هو العالم الطبيب إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي بكر الأزرق أو الأزرقي ، صاحب كتاب (( تسهيل المنافع في الطبّ والحكمة )) ، وهذا العالم والطبيب اليمنيّ قد وضعَ كتابه الفريد في الطبّ والعلاج و دواء بالطُرق المسهلة للناس ويحتوي على نصائح بالغة في الأهميّة ، وبالفعل فهو سِفرٌ طبيّ خالد، وقد وضع فيه خلاصة تجاربه بالإضافة إلى ما توصّل إليه من كان قبله من العلماء الأفذاذ كالعالم الطبيب الفارسي المشهور ( الرازي ) ،واستقى كذلك من كتاب شفاء الأجسام للكمرانيّ ، وكتاب الرحمة للصُبْنُري ،واستعان كذلك بعلم الإمام الجوزي رحمه الله تعالى ، وكان في كتبه يتحدّث عن العلاج و دواء بالنباتات والبذور ، وكذلك عن النصائح الغذائية التي نحن الآن في القرن الحادي والعشرين نحاول تطبيقها لتلافي الأمراض والعوارض التي قد تلحق بنا نتيجة الأنماط الغذائية الضارّة ، وذلك لأنّ المعدة هي بيت الداء والحمية هي رأس الدواء .
وأرى أنّ إمعان النظر في كتاب العلاّمة الأزرق ، سيفضي بك إلى معرفة كم هو حجم العمل الطبيّ الذي قام به ، وهو فخر لنا جميعاً ، ولكن بلا شكّ أنّ هذا العلم هو من أبواب الطبّ والحكمة النبويّة ، فسيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم صاحب المنهج الطبيّ السليم الذي منه نستقي الحكمة ونحقّق المنافع .