أبو العلاء المعرّي
إنه لفيلسوف الشعراء، وشاعر الفلاسفة، أبو العلاء المعري، أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري، لم يعش في تاريخ الإسلام كلّه شاعر أبلغ منه، ولا أحكم منه، ولا أكرم منه، لأن شعره لم يكن بهدف التكسّب، ولا أُجبر على مدح أحد. [?]
حياته
ولد أبو العلاء المعرّي في مِعرّة النعمان في سوريا، وما أن أصبح في الثالثة من عمره حتى أصابه الجدريّ فأضعف بصره، إذ كان يقول: (لا أعرف من الألوان إلا الأحمر، لأني أُلبِست في الجدري ثوباً مصبوغاً بالعصفر، ولا أعقل غير ذلك)، وقيل أنّه فقد نظره تماماً في سن السابعة. قال الشعر في سن الحادية عشرة من عمره. انتقل إلى بغداد ولبث فيها بعضاً من الوقت، وانتقل إلى طرابلس لينهل العلم من مكتبتها الشهيرة هناك، ثم عاد بعدها إلى المِعرّة وبقي في بيته حتى توفّي. [?]
بعد عودته إلى المِعرّة توفّيت والدته، هي التي كان متعلّقاً بها بشدة، فرثاها بقصيدتين من اجمل وافضل قصائد الرثاء، إضافة إلى الكثير من النصوص النثرية، وأضاف إلى ذلك قرار عزلته في بيته، فتره حبسياً لبيته، وللعزلته، فسُمّي رهين المِحبسين، وزادها هو بثالثة تُبيّن حبس روحه في جسده بقوله: وكون النفس في هذا الجسد الخبيث.[?]
تميّز بذكاء حاد عجيب، سريع الحفظ، متوقّد الذهن، كأن قدرته على الإبصار تم تعويضها بذكاء لامع مميّز. عُرف بمقاطعته للحوم، إضافة إلى البيض واللبن، وكان يرى في هذا الأمر انتهاكاً لحقوق الحيوان، مُقتصراً بطعامه على الأغذية النباتية، كما أنّه كان يصوم طوال السنة ولا يُفطر إلا في العيدين: الفطر والاضحى. أما عن آرائه في الحياة، فقد كان كارهاً لها، مُتقشّفاً فيها، مستغلّاً حياته للحصول على منزلة احسن وأفضل في الآخرة. [?]
اتُّهِم بالزندقة والإلحاد من قِبَل أعدائه، واستندوا بدعواهم تلك على القضايا التي كان يُناقشها مع طلّابه، إضافة إلى أنّهم أخذوا عليه عزوفه عن الزواج وامتناعه عن اللحوميّات التي فيها بُعداً عن السنن الدينية الإسلامية، واستندوا بتلك كل الادّعاءات ما أورده في كتابه (رسالة الغفران) من أخبار الزنادقة وأشعارهم.
دافع عن هذه التّهمة العديد من العلماء، أهمّهم القفطيّ، وابن العديم، وبيّن ما قاله المعرّي، وما وضعه خصومه على لسانه. إضافة إلى ان المعرّي نفسه لم يقف ساكناً ولم يخف، إنّما ردّ عليهم، وضحد دعواهم، ثم اعتزل الناس بعد أن أذوه أكثر مما ساعدوه.
اعتزل الحياة الخارجية في بيته الذي فتحه لكل طلبة العلم، فكان يستقل الطلّاب من جميع أنجاء العالم، حتى جمع عدداً كبيراً من كبار العلماء الذين تتلمذوا على يده. أما في باقي وقته فقد انصرف إلى الكتابة والتأليف والتصنيف، ليترك كمّاً هائلاً من المجلّدات الأدبية. [?]
وفاته
توفّي أبو العلاء المعرّي بعد أن مرض ثلاثة أيام، عن عمر يناهز السادسة والثمانين، اجتمع في جنازته الكثير من العلماء والشعراء والأدباء الذين تتلمذوا على يده، وألقوا فيها ثمانين مرثيّة، تاركاً وصيّةً خلفه بأن يُكتب على قبره: هذا ما جناه أبي عليَّ، وما جنيت على أحد، مُخلّفاً وراءه العديد من الأعمال الأدبية الرائعة التي حظيت بعناية خاصّة من النُقّاد العرب والغربيين، وحازت مؤلّفاته على اهتمام خاصّ من قبل المستشرقين. [?]
أعماله
من أعماله الأدبية الشهيرة ما يأتي:
- رسالة الغفران: وهي أكثر أعماله جدلاً، ومن أكثر الكتب التي حظيت اهتماماً غربيّاً، تحكي الرسالة عن رحلة شخصيته ابن القارح إلى العالم الآخر، إذ إنّ جميل صنعه وحسن سيرته وبلاغة كلامه ترفعه إلى الجنّة، فيدخلها واصفاً الجنة بالاعتماد على المصاجر الإسلامية من القرآن والسنة، فيلتفي بالشعرء هناك، ويبادلهم المساجلات الشعرية ويستمع منهم جميل الشعر. ثم ينزل إلى الجحيم ليقابل الشعراء هناك، إلا أنّه في طريقه إلى الجحيم يمرّ بقرى الجن، فيتعرّف شياطين الشعراء الذين يلهمونهم الشعر، فيبادلهم الشعر ويستمع إليهم. ما أن يصل إلى الجحيم حتى يلتقي بالشعراء هناك، فيستمع لهم ويسامرهم، ثمّ يود إلى الجنة ليستمتع بالنعيم.
تأثر الكثير من الأدباء العالميين بالأسلوب الرائع الذي نسق فيه المعرّي هذه الأعجوبة، ومن أشهر من أخد عنه الشاعر الإيطالي دانته أليغييري ومثّلها بكتابه العالمي (الكوميديا الإلهية)، فصوّر الجحيم والنعيم وطبقاتهما.[?]
- ديوان اللزوميّات: أو ما عُرف باسم ديوان لزوم ما لا يلزم، وصف فيه المعرّي حياة الناس وطبيعتهم الإنسانية، إلا أنّ أفكاره المتشائمة وروح الزهد كانت ظاهرة واضحة. تحدّث في هذا الديوان عن العقل والعلم والحياة، وما يواجهه الإنسان في مجتمعه من سرّاء وضرّاء، وبيان طريقة التعاطي مع هذه المشاكل. [?]
- ديوان سقط الزند: وهو أول عمل أدبي ألّفه المعرّي، قلّد فيه الشعراء السابقين، ولا سيّما لمتنبي، إذ كان يحظى هذا الشاعر بمكانة خاصّة لديه. [?]
- رسالة الملائكة: أجرى في هذه الرسالة حواراً بين الملائكة.
- رسالة الفصول والغايات.
- رسالة الصاهل والشاحج.
- فقرات وفترات
- الأيك والغصون في الأدب وهي كتاب يزيد على مائة جزء.
- تاج الحرة في النساء وأخلاقهن وعظاتهن ويتكوّن من أربع مائة كراس.
- عبث الوليد، شرح به ونقد ديوان البحتري.
- معجزة أحمد (يعني أحمد بن الحسين المتنبي).
- شرح اللزوميّات.
- شرح ديوان الحماسة.
- ضوء السقط، ويعرف أيضاً بالدرعيات.
تلاميذه
من العلماء والأدباء الذين تتلمذوا على يديه ما يأتي: [?]
- أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي.
- أبو الخطاب العلاء بن حزم الأندلسي.
- أبو الطاهر محمد بن أبي الصقر الأنباري.
- أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي.