تعرّضت ذرّية النّبي عليه الصّلاة والسّلام من بعده إلى محنٍ شديدة وابتلاءات رهيبة حيث لم يراعِ فيهم الظّالمين لعترة النبي الطّاهرة إلاًّ ولا ذمة؛ ففي معركة كربلاء استشهد الحسين بن علي رضي الله عنه ومعظم أقاربه من الرّجال في واحدةٍ من أشدّ الأحداث إيلامًا في ضمير المسلمين ووعيهم إلى وقتنا الحاضر.
وقد شاءت أقدار الله سبحانه وتعالى أن ينبري رجال لأخذ الثّأر من قتلة رجال العترة الطّاهرة، ومن بين هؤلاء برز اسم المختار ابن أبي عبيد الله الثّقفي الذي رفع شعار يا لثارات الحسين عاليًا للانتقام من كلّ من شارك في قتل الحسين رضي الله عنه، فمن هو المختار الثقفي ؟، وكم دام حكمه وسلطانه؟
المختار الثقفيّ
ولد المختار الثّقفي في السّنة الأولى للهجرة في مدينة الطّائف، وقد كان أبوه أبو عبيد الله من الصّحابة؛ حيث هاجر إلى المدينة في عهد الخليفة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه وشارك في معارك المسلمين حيث قاد جيوشهم في معركة الجسر الشّهيرة، وقد استشهد في إحدى معارك المسلمين مع الفرس وكان عمر المختار حينئذٍ ثلاثة عشر عامًا.
وممّا يُروى في تاريخ المختار الثقفي وسيرته أنّه كان من أشدّ المناصرين للإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي عهد الخليفة الأموي يزيد بن معاوية وعندما راسل الحسين بن علي رضي الله عنه أهل العراق حيث بعث إليهم ابن عمّه مسلم بن عقيل كان المختار الثّقفي ممّن استقبل رسول الحسين واستضافه في بيته، وعندما قتل مسلم بن عقيل قام والي العراق عبيد الله بن زياد بملاحقة شيعة الحسين وأنصاره في الكوفة، وقام بالقبض على المختار الثّقفي حيث ضرب وأودع في السّجن، وقد بعث المختار برسالة إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنه ليشفع له عند عبيد الله ابن زياد حيث أفرج عنه وأخرج من الكوفة.
وعندما حصلت ثورة عبد الله بن الزّبير على الحكم الأموي كان المختار الثّقفي من أنصار ابن الزّبير وكبار قادة جيوشه ولكنّه نكث البيعة وخرج متوجّهًا إلى الكوفة؛ حيث سجن فيها ثمّ أخرج من السّجن ليجمع مناصريه وأشياعه وليتمكّنوا من طرد والي ابن الزّبير على الكوفة؛ حيث استقرّ له الحكم عليها عام66 للهجرة، ومن حينها بدأ مسلسل الثّأر لدم الحسين بن علي فقتل معظم من شارك في قتله وعلى رأسهم عبيد الله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن، ولم يدم حكمه على الكوفة إلاّ ما يقارب سنة واحدة؛ حيث تمّت هزيمته على يد جيش مصعب بن الزّبير وقتل المختار الثّقفي في سنة 67 للهجرة وتمّ دفنه قرب مسجد الكوفة، وقبره موجود حتّى الآن.