أشتهر العرب منذ القدم ، وحتى قبل الدعوة الإسلامية بالشعر العربي الحر ، واعتبر الشعر المجال الأكثر براعة بالنسبة للعرب ، فإن أراد العربي أن يجلس بمفرده ، ينظم قصيدة ، وأن أراد أن يعبر عن جوعه نظم قصيدة وهكذا ،فكانت حياتهم كلها محورها الشعر ، والألفاظ الجميلة التي تهتم بالروح والجسد ، والقلب وغيرها ، وكان الأشعار التي يتغنى بها الشعراء تحاكي الأنماط العربية التي تعيش في واقع ملموس ، ففي كل قبيلة تجد بعض الشعراء التي تنبض روح القبيلة بهم ، فيحتفلون مع الأقارب والأصحاب والأحباب ، ومع انتشار الدعوة الإسلامية ،لم يمانع النبي صل الله عليه وسلم من نظم الشعراء للشعر ، حتى أنه اتخذ أحد الشعراء لنفسه ، ففي الشعر روح لا يمكن أن تموت أو أن تندثر ، وكانت الغرابة أشد عندما عانق الشعر أطياف العالم ككل ، فنجد في يومنا هذا ، هناك بعض الشعراء الذين ينظمون الشعر بلغاتهم المختلفة ، ولا يبالون بأهمية وفائدة العربية في إظهار المعاني والألفاظ والجمال العربي المخملي .
وحديثنا اليوم سيدور عن أحد الشعراء في العصر الحديث ، وهو الشاعر أبو القاسم الشابي ، وكان هذا الشاعر تونسي الأصل ، والجنسية من أهم الشعراء الذين عاصروا الحياة الجديدة ، ورسموا ملامحها بأيديهم ، وعقولهم وأقلامهم ، واستطاع الشابي أن يكون الأبرز والأهم على الساحة الشعرية التونسية ، فنظم الأشعار لمختلفة الأطياف والجنسيات ، واستطاع أن يخمد نار الحب بالحديث الجميل الراقي عنه ، وتحدث عن أهمية وفائدة الوطن ، وما يجب على الإنسان فعله للحفاظ على عقيدة الوطن ، ولحمته ، وتماسكه ، واستطاع الشابي أن يكون على قدر عال من المسؤلية ، فلم ينس أمه او أبيه ، واستطاع ان يتغنى بحنانهما ، ورفقهما عليه ، وعلى كل من كان يجلس بجانبهما ، فهو شاعر الحب وشاعر الحياة الطيبة . ومع هذا الإهتمام بالشعر والشعراء ، والحياة الشعرية التي عاش بها أبو القاسم الشابي ، إلا أنه كان رجل دين ، يحب دينه بشكل مبالغ فيه ، فكان يقال له الشيخ في كثير من الأحيان ، فكان يصلي ويواضب على صلاته ، ويتردد على المساجد ، ليصلي تارة ، وينهل منها علوم الدين تارة أخرى ، ويكون من رواد المسجد والصلاة وقراءة القرآن من جهة أخرى ، واهتمامه بالشعر والدين لم يجعل منه رجلا غير مثقف ، بل على العكس استطاع الشابي أن يرسم لنفسه مكانة علمية كبيرة ، وأن يكون على قدر كبير من المسؤولية والإحترام للعمل ، وللدين ، وللشعر في آن واحد ، ورغم كثرة الإنشغالات ، إلا أنه وجد الوقت المناسب لكل شيء كان يحبه ، ويفعل المستحيل للوصول لغايته .