الشعر من الوسائل التي يعبر بها الإنسان عما يدور في داخله من مشاعر، ويكون الشعر سلاحاً في يد الشاعر في أوقات معينة في حياته مثل خوضه لتجربة حبن مواقف حزينة أو إذا ما كانت بلاده محتلة، لذلك فالشعر هو إحساس راق يتمتع به الشاعر يعبر عما يدور في حياته بكلمات وعبارات رقيقة تغزو القلوب وتأسر العقول. وشاعرنا أبو القاسم الشابي من الشعراء التونسيين الذين أضافوا إضافات نوعية على الثقافة والأدب التونسي. أبو القاسم الشابي من الشعراء الذين يتخذون طابعاً دينياً حيث نشأ في بيئة متدينة وعرف عن الشاعر أنه كان رجلًا صالحاً تقياً يقضي يومه بين المسجد والمحكمة والمنزل. هذا هو الجو الذي نشأ وتربى عليه أبو القاسم. ولد الشاعر في مدينة توزر في تونس في شهر فبراير من عام 1909م، عمل أبو القاسم موظفاً حكومياً في مؤسسة القضاء التونسي وعاش متنقلاً بين المدن بحكم وظيفته مما أتاح له ذلك التمتع بجمال بلاده وطبيعتها الخلابة.
تخرج الشاعر أبو القاسم الشابي من جامعة الزيتونة التي تعتبر من أعرق الجامعات العربية، وكان يعرف عنه أنه كان وطنياً محباً لبلاده حيث كان ذلك ظاهراً في أعماله الشعرية، كما أن تونس رئيساً وشعباً أحبوا شاعرنا لأعماله الوطنية وحسه المليء بالحب والتضحية من أجل الوطن، لذلك عملت الدولة على تكريمه بأن وضعت صورته على العملة الخاصة بها والمتداولة على أراضيها في عام 1997م.
لم يكتب للشاعر أن يعيش لفترة طويلة وذلك يعود للمرض الذي كان يحمله في قلبه فقد تخرج من الجامعة وهو يعلم بخطورة مرضه لكنه لم يكن مهتماً بسبب عدم ظهور أعراض للمرض عليه ولم يعق حياته ومسيرته العملية والأدبية، ولكن المرض تطور في قلبه حيث بدأت أعراضه في الظهور عليه منذ عام 1929م، هذا المرض الذي وقف عائقاً أمام تحقيق رغبة والده في أن يزوجه ابنة الشخص الذي رفضه بسبب سوء حالته الصحية، لكنه لم يستسلم لذلك المرض ويجعله عائقاً أمامه وأمام أهدافه ورغباته، حيث عزم على الزواج امتثالاً لرغبة والده.
القرار الذي اتخذه الشابي بأن يتزوج رغم النصيحة التي وجهها له الأطباء في الاعتدال في حياته البدنية والفكرية بالإضافة إلى ما هى اسباب أخرى زادت من حالته المرضية وعجلت من اقتراب الموت لديه. كان الشابي محباً للحياة ولكن قلبه شكل له عبئاً كبيراً حرمه من الاستمتاع بحياته وشبابه. وفي يوم مر على بعض الضواحي فأخذ يخاطبها مشتكياً همه قائلاً: "ها هنا صبية يلعبون بين الحقول وهناك طائفة من الشباب الزيتوني والمدرسي يرتاضون في الهواء الطلق والسهل الجميل ومن لي بأن أكون مثلهم؟ ولكن أنى لي ذلك والطبيب يحذر علي ذلك لأن بقلبي ضعفاً! آه يا قلبي! أنت مبعث آلامي ومستودع أحزاني وأنت ظلمة الأسى التي تطغى على حياتي المعنوية والخارجية".
للشابي سجل حافل من القصائد الوطنية التي رسم من خلالها لوحة فنية مليئة بعبارات وكلمات وعبارات الجمال والحب والانتماء للوطن كتبت لهذه القصائد النجاح وخرجت للنور على لسان أشهر الفنانين العرب الذين غردوا بكلماتها في ربوع الوطن، ومن هذه القصائد، جزء من قصيد إرادة الحياة في النشيد الوطني لـتونس، كما غناها كاملة عدد كبير من المغنيين والمنشدين العرب. ومن ومؤلفاته "طغاة العالم" والتي غردت بها الفنانة لطيفة، بالإضافة إلى "اسكني يا جراح" غناء أمينة فاخت وأبو بكر سالم بلفقيه و"عذبةٌ أنت" غناء المطرب محمد عبده.
وبعد رحلة طويلة مع المرض توفي أبو القاسم الشابي في المستشفى في التاسع من أكتوبر من عام 1934م وتم نقله إلى توزر ودفن فيها.