من أبلغ التّفسيرات التي بيّنت حقيقة التّقوى ما نقل على لسان أحد العلماء في تفسيرها حيث قال ممثّلاً لها كمن يكون في طريقٍ كثيرة الأشواك يرغب في الوصول إلى هدفٍ معيّن ، فتراه يتجنّب تلك الأشواك في طريقه ويبتعد عنها حتى يصل بسلامةٍ إلى برّ الأمان ، وكذلك هي التّقوى حيث يتّقي الإنسان بسلاح الإيمان ما يتعرّض له من مغرياتٍ وشهواتٍ قد تؤدّي به إلى عدم بلوغ الهدف الذي يسعى إليه وهو رضوان الله تعالى وجنّته ، فالغاية عند المسلم واضحةٌ والطّريق إليها بلا شكّ محفوفة بالكثير من الأشواك والمخاطر ، والكيّس الفطن من يتزوّد بزاد التّقوى في طريقه وسفره الذي يعينه على بلوغ مرامه وهدفه وهو سليمٌ من أدران الذّنوب وأفات النّفس .
ويتساءل بعض المسلمين عن حقيقة التّقوى وكيف تصبح وتكون مظاهرها في حياة الإنسان المسلم ، والحقيقة أنّ هناك مؤشراتٍ كثيرةٍ تكون شاهداً ودليلاً على تقوى الله تعالى ، فالحرص على العبادة وأدائها في وقتها هي من التّقوى ، والحرص على معاملة النّاس معاملةً حسنةً بعيدةً عن الأذى والضّرر هي من التّقوى ، كما أنّ الإحسان وهو مراقبة الله تعالى على كلّ حالٍ في السّر والعلن هي درجةٌ من درجات الإيمان والتّقوى ، وما أحسن عبارة الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه حين تكلّم عن التّقوى بكلماتٍ موجزةٍ بليغةٍ مفسّرا لها حيث قال إنّ التّقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتّنزيل والرّضا بالقليل والاستعداد ليوم الرّحيل ، فالإنسان التّقي هو الإنسان الذي يخشى ربّه حقّ الخشية ، فتراه يخشى من غضب الله تعالى وعذابه ، وإذا أذنب ذنباً سارع بالوقوف بين يدي الله تعالى مستغفراً من ذنبه تائباً ، وهو إلى جانب ذلك حريصٌ على أن يتعلّم القرآن ويعمل بما فيه من الأحكام والتّوجيهات الرّبانيّة ، كما أنّه يرضى بما قسمه الله تعالى من الرّزق الحلال الطّيب وإن قلّ ولا يطمع فيما عند أخيه ، وهو مستعدٌ دائماً للقاء ربّه ، يحبّ لقاء الله تعالى لأنّه يرجو رضوانه وجنّته ، فتراه يتزوّد في الدّنيا بالعمل الصّالح النّافع الذي يزيد في حسناته ويقرّبه إلى الله تعالى فترفع درجاته ، جعلنا الله جميعاً ممّن يحرصون على أن يكونون من عباد الله المتّقين الذين يدخلون الجنّة وتستقبلهم الملائكة بقولها ( سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار ) صدق الله العظيم .