بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه. أما بعد،
جاء الوَثْبُ في اللغة بمعنى القفز، وبمعنى النهوض والقيام، وبمعنى آخر، وهو الجلوس، وهذا المعنى الأخير لم يُعْرَف إلا في لغة مملكة حِمْيَر في اليمن قديمًا، فكانوا إذا رأوا شخصاً قد جلس قالوا أنه قد وَثَبَ، وكانوا إذا أمروا شخصاً ما بالجلوس قالوا له: ثِبْ، أي اجلس. ولكن المعنى الشائع والمتعارف عليه عند أهل اللغة: هو القفز، وتفسير الوثب بالقعود هو خاص بأهل حمير فقط.
وقد بين أهل اللغة معنى الوثب في معاجمهم، حيث يقول صاحب معجم لسان العرب: « الوَثْبُ: الطَّفْرُ...، يُقال: ثِبْ أي اقعد. ودخل رجل من العرب على ملكٍ من ملوك حِمْيَر، فقال له الملك: ثِبْ، أي اقعد، فوَثَبَ فتكسر، فقال الملك: ليس عندنا عَرَبِيَّتْ، من دَخَلَ ظَفارِ حَمَّرَ، أي تكلم بالحِمْيَرِية، وقوله: عَرَبِيَّتْ، يريد العربية، فوقف على الهاء بالتاء، وكذلك لغتهم، ورواه بعضهم: ليس عندنا عربية كعربيتكم. قال ابن سيده: وهو الصواب عندي؛ لأن الملك لم يكن ليخرج نفسه من العرب...، وتقول: وَثَّبَهُ تَوْثيبًا أي أقعده على وساده...، والوثوب في غير لغة حمير: النهوض والقيام. » [راجع: لسان العرب].
قد بين صاحب معجم لسان العرب في الكلام السابق معنى الوثب حيث فَسَّره بالنهوض والقيام، وفسره بدايةً بـ (الطَّفْر)، والطفر في اللغة مرادف للقفز، فالطفر والوثب والقفز من المترادفات. ولكن عند مادة (طفر) في معجم لسان العرب، يبين المؤلف بأن الطفر هو الوثب في ارتفاع، كأن يكون الإنسان أمامه حائط، فيقوم بالوثب لتجاوزه إلى ما ورائه، فالوثب هنا هو الطفر، ويوحي هذا الأمر أن هناك فرقًا بين الوثب الذي يفسر بالطفر، والقفز بشكل عام، وهذا الفرق إنما يكون من جهة العموم والخصوص، فكل وثبٍ أو طفر هو قفزٌ، ولكن ليس كلٌ قفز هو وثب أو طفر، إذ قد يقفز الإنسان من مكان إلى آخر، كأن يقفز من مكان معين مرتفع إلى مكانٍ آخر أقل ارتفاعًا منه، ولكن هذا لا يسمى وثبًا أو طفرًا لأنه لم يكن أمامه حاجزٌ أو حائطٌ معين مرتفع يقفز من فوقه.
وبعد هذا التحليل اللغوي السابق، لا بد لنا من تلخيصه على النحو التالي: