عمر المختار
تعتبر شخصيّة عمر المختار من الشّخصيّات العربيّة والإسلاميّة البارزة في مجال المقاومة ضد الاحتلال والاستعمار الأجنبي، بل إنّ سيرة عمر المختار وبطولاته أصبحت لها رمزيّة خالدة لا تنمحي عبر الأيام وتقدّم السّنين، فمن هي تلك الشّخصية الفذّة التي استطاعت ولسنين طويلة أن تثخن في المستعمرين الجراح وتلحق بهم الهزيمة في معارك كثيرة؟ وأين دفن عمر المختار؟ وأين كان مكان دفنه؟
ولد عمر بن مختار بن عمر في شرق ليبيا وتحديدًا في إقليم برقة عام 1858 وقيل عام 1862 ميلادي، ويعود نسبه إلى قبيلة منفة الهلالية، وقد نشأ عمر المختار في بيت حريص على العلم، وقد توفّي والده أثناء ذهابه إلى مكّة لأداء المناسك، وقد أوصى والده في لحظاته الأخيرة أن يكون عمر المختار وشقيقه في كفالة ورعاية صديقه الشّيخ أحمد الغرياني؛ حيث تولّى رعايته بعد وفاة أبيه وحرص على تعليمه العلم الشّرعي فأبدى نبوغًا شديدًا وحفظًا متقنًا فاق أقرانه.
عمر المختار والحركة السنوسية
في مرحلة لاحقة توطّدت علاقة عمر المختار كثيرًا بالحركة السّنوسيّة التي كانت تحكم ليبيا حينئذ، وقد قام محمد المهدي باصطحابه في جولاته وتنقّلاته في البلاد حتّى أصبح يلقّب بسيدي عمر، وهو لقب لا يحوزه إلا آل السّنوسي، وقد كلّفه محمّد المهدي بمشيخة بلدية زاوية القصور في الجبل الأخضر حيث أحسن عمر المختار حكم تلك المنطقة وساسها سياسةً رشيدة حتّى تمنّى المهدي أن يكون هناك عشرة فقط من أمثال المختار حتّى يعمّ الخير والبركة على البلاد جميعها، كما أثنت عليه الدّولة العثمانيّة كثيرًا.
وفي عام 1911م وفي ظلّ الهجمة الاستعمارية الشّرسة على الدّولة العثمانيّة قامت القوات الإيطاليّة بالهجوم على ليبيا لمحاولة السّيطرة عليها وفرض الانتداب على أراضيها، ومنذ ذلك العام تفتّحت عين عمر المختار على أطماع الغرب للسّيطرة على مقدّرات بلاده فقام بتعبئة النّاس وتحشيدهم لتبدأ المرحلة الأولى من مراحل المقاومة الليبيّة للاستعمار الإيطالي والتي استمرّت أكثر من خمسةٍ وعشرين سنة كانت حافلةً بالإنجازات ومليئة بالضّربات الموجعة للاستعمار اللّيبي.
وقد حاول المستعمر الإيطالي مرارًا التّفاوض مع المقاومة اللّيبيّة بقيادة عمر المختار ومنّاها كثيرًا بالأماني، وعرض على عمر المختار شخصيًّا أن يتولّى وظيفة عامة براتب كبير ومزايا عديدة، وقد رفض عمر المختار تلك المحاولات وأصرّ على نهج المقاومة أو القبول بشروط العزّة التي أرادها من المحتل.
وفي عام 1931م استطاعت القوات الإيطاليّة القبض على عمر المختار، وقد قدم إلى محكمة صوريّة وحكم عليه بالإعدام شنقًا، ولم يعرف المكان الذي دفن فيه عمر المختار لسعي المستعمر الإيطالي لإخفائه عن النّاس، وقد جعل النّاس قبرًا لعمر المختار في بنغازي، ثمّ نُقل إلى سلوق التي شهدت حدث إعدامه.