بسم الله، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أمّا بعد:
في هذا الزمان التي عمت فيه البلوة، وكثرت فيه الفتنة، وأصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر من كثرة الاختلاط بين الرجال والنساء، والتهاون في الحجاب، وأحيانًا في مصافحة الرجل الأجنبي للمرأة جهلًا، أو حتى تجهلًا، وما يحدث من الحرج أحيانًا، وخاصة في المناسبات الهامة كالأعياد مثلًا، فإنا نقدم لكم دليلًا كاملًا عن رأي الشرع فيه.
النبي عليه الصلاة والسلام عندما بايع الرجال، بايعهم مصافحةً، وعندما مدت إحدى النساء يدها قال (صلى الله عليه وسلم): "إني لا أصافح النساء"، وتقول السيدة عائشة (رضي الله عنها): "ما مست يد رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يد امرأةٍ قط" وبالتالي فإنه لا ينبغي ولا يجوز لأي رجل أجنبي مصافحة المرأة.
قال ابن عثيمين أنّ قوله (صلى الله عليه وسلم): "إني لا أصافح النساء" خاصًا به، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) يجوز له من الخلوة مع النساء ما لا يجوز لغيره؛ فهو أبعد الناس عن الريبة، ورغم هذا فالرسول (صلى الله عليه وسلم) التزم بعدم مصافحة النساء، وإن كان هذا فعل نبيٍ معصوم، لم يمس يد امرأة قط -غير زوجاته وما ملكت يمينه- ولا حتى في مبايعة أو غيرها، فإنه من الأولى لنا أن نلتزم بعدم مصافحة المرأة الأجنبية،
أمّا إذا دخل الرجل في بعض الأوقات على طبيبة مثلًا أو ربما بعض الإخوة الذين يدرسون في الخارج ربما دخل على المُدَرِّسة أو العائلة التي يسكن معها ونحو ذلك، فربما مدت المرآة يدها، فنحن نشير عليه من البداية عند الدخول أن يضع يده على صدره ومن ثم يلقي التحية عليهم، وهي في الغالب ستفعل مثله وترد التحية أو تشكره ويسير الأمر على خير.
أمّا أن يدخل وينتظر حتى تمد هي يدها ثم يقول: أنا أُحرجت فمددت يدي، فلا ينبغي التساهل في مثل هذه المسائل؛ حتى نتجنب الفتنة والوقوع فيها، فمصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عمدًا، ومسها بجسدها، ربما يجذب قلبك إليها؛ لنعومة يدها وملاستها ونحو ذلك، ثم حدوث ما لا يرجى عقباه، والله تعالى يقول في كتابه العظيم: "ولا تتبعوا طرق وخطوات الشيطان"، فالأصل أن يتجنب الإنسان مثل المواقف والمصافحة، ويبتعد عنها؛ لأن هذا هو الأسلم.
أباح بعض رجال العلم المصافحة إذا كانت المرأة كبيرة في السن، ولا تشتهيها النفوس، وأنّ الله سبحانه وتعالى عندما ذكر الحجاب، قال: "وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ" فما دام أن الله تعالى أباح للمرأة الكبيرة في السن، التي لا رغبة للرجال فيها، ولا فتنة فيها، ولا تقبل عليها النفوس مادام أنّ الله تعالى أباح لها أن تتخفف من حجابها؛ لعدم الفتنة بها، فلا بأس من مصافحتها؛ وذلك لأن العلة في تحريم المصافحة هي الفتنة، والفتنة مأمونة في مثل هذه المرأة، وهذا كلام بعض أهل العلم، وهو كلام قوي، فإذا كانت المرأة كبيرة جدًا في السن وعجوز ومدت يدها فلا بأس من مصافحة الرجل الأجنبي لها، حسب كلام أهل العلم، واعتلوا بأنّ الله سمح لها بالتخفيف وانقاص من ثيابها، والشابة لا ينبغي مصافحتها. وإن تجنب الرجل الأجنبي المصافحة للمرأة عمومًا فهو أولى.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم، وما كان من خير فمن الله، وما كان من خطأ أو تقصير فمني والشيطان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.