كيفيّة الاغتسال من الجنابة
صفة الغسل من الجنابة بشكل كامل فصّلها ابن قدامة في المغني، حيث قال:" الكامل يأتي فيه بعشرة أشياء: النّية، والتّسمية، وغسل يديه ثلاثاً، وغسل ما به من أذى، والوضوء، ويحثي على رأسه ثلاثاً، يروي بها أصول الشّعر، ويفيض الماء على سائر جسده، ويبدأ بشقّه الأيمن ويدلّك بدنه بيده، وينتقل من موضع غسله فيغسل قديمه، ويستحبّ أن يخلّل أصول شعر رأسه ولحيته بماء قبل إفاضته عليه، قال أحمد: الغسل من الجنابة على حديث عائشة، وهو ما روي عنها قالت:" كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثاً، وتوضّأ وضوءه للصلاة، ثمّ يخلّل شعره بيده، حتى إذا ظنّ أنّه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرّات، ثمّ غسل سائر جسده "، متّفق عليه.
والغسل يختلف عن الوضوء في حكمه وموجباته، وفي صفته وكيفيّته، والغسل نوعان:
- الغسل الكامل: أن ينوي، ثمّ يسمّي، ثمّ يغسل يديه ثلاثاً، ثمّ يغسل ما أصابه الأذى، ثمّ يتوضأ وضوءه للصّلاة، ثمّ يحثي على رأسه ثلاث حثيات، يروي بها أصول شعره، ثمّ يفيض الماء على بقيّة جسده، يبدأ بشقّه الأيمن ثمّ الأيسر، ويدلّك بدنه، مع الاعتناء بإيصال الماء إلى جميع بدنه وشعره. وذلك لما في الصّحيحين عن ميمونة رضي الله عنها، قالت:" وضعت للنّبي - صلّى الله عليه وسلم - ماءً يغتسل به، فأفرغ على يديه، فغسلهما مرّتين أو ثلاثاً، ثمّ أفرغ بيمينه على شماله، فغسل مذاكيره، ثمّ دلّك يده بالأرض، ثمّ مضمض واستنشق، ثمّ غسل وجهه ويديه، ثمّ غسل رأسه ثلاثاً، ثمّ أفرغ على جسده، ثمّ تنحّى عن مقامه ذلك، فغسل قدميه ".
- الغسل المجزئ: فهو أن يزيل ما به من نجاسة، وينوي ويسمّي، ثمّ يعمّ بدنه بالغسل حتّى فمه، وأنفه، وظاهر شعره، وباطنه.
موجبات الاغتسال من الجنابة
إنّ موجبات الغسل ستّة، وهي:
- خروج المنيّ بلذة من غير نائم، فإن كان من نائم فلا يشترط وجود اللذة، وهو ما يسمّى بالاحتلام.
- تغييب حشفة في فرج، وهو المعروف بالتقاء الختانين، أي الجماع، لحديث:" إذا جلس بين شعبها الأربع، ثمّ جهدها فقد وجب الغسل "، متّفق عليه. وزاد أحمد ومسلم:" وإن لم يُنزل ".
- إسلام الكافر.
- خروج دم الحيض، وهو دم أسود منتن، يرخيه رحم المرأة، ويخرج من القُبل حال الصّحة، وانقطاعه شرط لصحّة الغسل له.
- خروج دم النّفاس، وهو الدّم الخارج من قُبل المرأة بسبب الولادة، والغسل في كلّ ما سبق يغني عن الوضوء، لأنّ الحدث الأصغر يدخل في الحدث الأكبر، ولا عكس، فلا يجزئ الوضوء عن الغسل في أيّ منها.
- الموت، غير شهيد المعركة والمقتول ظلماً فلا يغسّلان.
حكم الاغتسال من الجنابة
غسل الجنابة فرض بإجماع المسلمين، قال تعالى:" وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ "، المائدة/6. ولا يحلّ لمسلم أن يترك غسل الجنابة بأيّ حال، وإذا كان الوعيد الشديد قد ورد في حقّ من قصّر في تعميم شعره وبشرته بالماء في غسل الجنابة، فكيف بمن تركه بالكليّة، فعن علي رضي الله عنه أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال:" من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء، فعل الله به كذا وكذا من النّار "، رواه أحمد وأبو داود.
ومن يترك الاغتسال من الجنابة لا يخلو من أحد حالين، إمّا أن يترك الصّلاة، فيكون متعرّضاً لسخط الله وعقوبته العاجلة والآجلة، ويكون مرتكباّ لكبيرة هي من أكبر الكبائر، وهي أكبر من الزّنى، وشرب الخمر، وقتل النّفس، بل يكون بذلك كافراً خارجاً من الملّة عند كثير من العلماء، وإمّا أن يصلّي في حال جنابته، فيكون أيضاً مرتكباً لكبيرة من أكبر الكبائر، يعدّ بها خارجاً من الملّة عند بعض العلماء وهم الحنفيّة، فإنّهم يقولون أنّ من تعمّد الصّلاة بغير طهارة يُكفّر بذلك، خلافاً للجمهور، ولا تجزئه صلاته تلك بالإجماع ولا تبرأ بها ذمته.
فوائد الاغتسال من الجنابة
الاغتسال من الجنابة فيه كثير من الحكم والفوائد، نبّه عليها ابن القيّم فى إعلام الموقعين، حيث قال:" فهذا من أعظم محاسن الشّريعة وما اشتملت عليه من الرّحمة، والحكمة، والمصلحة، فإنّ المنيّ يخرج من جميع البدن، ولهذا سمّاه الله سبحانه وتعالى سلالةً، لأنه يسيل من جميع البدن، وأمّا البول فإنّتعرف ما هو فضلة الطّعام والشّراب المستحيلة في المعدة والمثانة، فتأثّر البدن بخروج المنيّ أعظم من تأثّره بخروج البول، وأيضاً فإنّ الاغتسال من خروج المنيّ أنفع شيء للبدن، والقلب، والرّوح، بل جميع الأرواح القائمة بالبدن، فإنّها تقوى بالاغتسال، والغسل يخلف عليه ما تحلّل منه بخروج المنيّ، وهذا أمر يعرف بالحسّ، وأيضا فإن الجنابة توجب ثقلاً وكسلاً. والغسل يحدث له نشاطاً وخفّةً، ولهذا قال أبو ذر لمّا اغتسل من الجنابة:" كأنّما ألقيت عنّي حملاً ". وقد صرّح أفاضل الأطباء بأنّ الاغتسال بعد الجماع يعيد إلى البدن قوّته، ويخلف عليه ما تحلّل منه، وإنّه من أنفع شيء للبدن والرّوح، وتركه مضرّ، ويكفي شهادة العقل والفطرة بحسنه ".
أحاديث نبويّة عن الاغتسال من الجنابة
- روي عن السيّدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، أنّها قالت:" كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إذا اغتسل من الجنابة: غسل يديه، وتوضّأ وضوءه للصّلاة ثمّ اغتسل، ثمّ يخلّل بيده شعره، حتّى إذا ظنّ أنّه قد أروى بشرته، أفاض عليه الماء ثلاث مرّات، ثمّ غسل سائر جسده "، ورد في الصحيحين.
- روي عن السيّدة ميمونة بنت الحارث، زوجة النّبيّ - صلى اللّه عليه وسلم - أنّها قالت:" توضّأ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وضوء الجنابة، فأكفأ بيمينه على شماله مرّتين أو ثلاثًا، ثمّ غسل فرجه، ثمّ ضرب يده بالأرض أو الحائط مرّتين أو ثلاثًا، ثمّ غسل فرجه، ثمّ مضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه، ثمّ أفاض على رأسه الماء، ثمّ غسل جسده، ثمّ تنحّى فغسل رجليه، قالت: فأتيته بخرقة فلم يردها فجعل ينفض بيده "، ورد في الصحيحين.
أذكار الاغتسال من الجنابة
تعدّ أذكار الاغتسال هي نفسها أذكار الوضوء، حيث يبدأ المسلم بالتّسمية بقوله " بسم الله الرّحمن الرّحيم "، وانتهاءً بقوله " أشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوّابين، واجعلني من المتطهّرين ". ويوجد دعاء مخصوص عند الاغتسال، ولا ذكراً غير البسملة. فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" ستر ما بين أعين الجنّ وعورات بني آدم إذا وضعوا ثيابهم، أن يقولوا بسم الله "، أخرجه التّرمذي وابن ماجه والطبراني.
الأغسال المستحبّة
- الاغتسال في يوم الجمعة، وقيل بوجوبه، والأحوط المحافظة عليه.
- الاغتسال للإحرام عند العمرة أو الحج.
- الاغتسال في العيدين.
- اغتسال من غسل ميّتاً.