الإرث
يُعرف الإرث بشكل عام بأنّه كلّ ما يتركه المتوفّى وراءه لورثته، من أموال و ممتلكات، أو قد يكون ديوناً أو مسؤوليات، مرادفاته باللغة العربية "التّركة" أو "الميراث"، وقد تختلف أسس وقوانين توزيع التركة بين الديانات السماويّة، أمّا فيما يتعلّق بالميراث في الإسلام فقد أورد الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الحكيم تفاصيل وأسس توزيع الميراث على الورثة، دون وقوع أيّ لبس لدى الورثة، أو شعور بالظلم من الآخرين، ويختلف توزيع الميراث في الديانتين السماويّتين اليهوديّة والمسيحيّة عن الدين الإسلامي اختلافاً كليّاً، ففي الديانة اليهودية تكون الوِرثة أو التركة فقط للابن الأكبر، مع حرمان باقي الأبناء منها، وهذا ما أورث الحقد والكراهية بين الأبناء، أمّا في الدين الإسلاميّ فالاختلافات في توزيع التركة بشكل كبير تكون بين أهل السنة والشيعة بشكل واضح.
الميراث في الإسلام
قال تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أزواجكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)[12: النساء].صدق الله العظيم.
أوجزت هذه الآية الكريمة كلّ قواعد وأسس توزيع الميراث بين الورثة الشرعيّين، وقد أولى الدين الإسلاميّ الحنيف الميراث عناية واهتماماً خاصاً، فرسم وحدّد أصول توزيع الميراث، وبيّن هويّة الورثة الشرعيّين، والشروط الواجب استيفاؤها لوجوب نصيب الفرد من الإرث، وجاء الإسلام بأصول تطبيق الميراث لإنصاف النساء، إذ كانت المرأة تُحرم من الميراث في الجاهلية، أمّا الدين الإسلاميّ فقد أنصفها وأعطاها حقّها على أكمل وجه بدلالة قوله تعالى: ?يوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ للذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ...?سورة النساء، وبهذا دفن الدين الإسلامي عادات الجاهليّة، وضمن حق المرأة وصغار السنّ أيضاً في الميراث.
أركان الميراث
- الموروث: وهو الشخص المتوفّى، والذي ترك لورثته شيئاً من المال أو الممتلكات أو غيرها، وقد يكون أباً أو قريباً.
- الوارث: وهو من له الحق بامتلاك أو الحصول على ما تركه المتوفّى بناءً على صلة القرابة التي تربطهما ببعضهما.
- الوِرثة: وتُعرف أيضاً بالتّركة، وهي أساساً ملك للموروث، وتنتقل تلقائيّاً للوارث بعد وفاة الأوّل، ضمن قوانين وأصول الشرع الإسلاميّ الحنيف، وقد يكون ابناً أو قريباً أو فرعاً.
أسبابه
يحّق للوارث أن يحصل على حقّه في الميراث إذا كانت تربطه بالموروث (المتوفّى) صلة أو قرابة وهي على النحو التالي:
- الزّواج : ترث المرأة من زوجها أو الزوج من زوجته في حالة وفاة أحدهما قبل الآخر، ولا ورثة للأزواج من بعضهم بعضاً في حال وقوع الطلاق.
- البنوّة: في هذه الحالة يرث الابن من والديه وفق الشرع الإسلامي، وكما يرث الوالدان من أبنائهم.
- الأقارب: وتتفاوت أسس تقسيم الميراث قليلاً بين المذاهب الإسلاميّة، ويتم تقسيمها بناءً على مدى درجة القرابة بين الموروث والوارث.
فروضه
حددّ الدين الإسلاميّ في تشريعاته التي فصّلها نصيب كلّ فرد من أفراد الأسرة الواحدة من الورثة التي يتركها الموروث، وجاء تقسيمها على النحو التالي:
- فرض النصف: وتذهب نصف التركة لخمسة أشخاص حدّدهم الإسلام وهم: الزوج، والبنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والعمّة (أخت الأب)، ويرث الزّوج النصف من ميراث زوجته في حال عدم وجود أبناء أو بنات للزّوجة، أو أبناء الابن أو البنت.
- فرض الرّبع: ينتقل الزّوج من أصحاب فرض النصف إلى أصحاب فرض الرّبع في حال وجود ولد من صلب الزّوجة، وكما أنّ الزوجة ترث ربع الميراث في حال عدم وجود أبناء أو بنات لدى الزّوج.
- فرض الثّمن: تنتقل الزّوجة إلى أصحاب فرض الثّمن إذا كان للزّوج أبناء أو بنات، وإذا كان للمتوفّى أكثر من زوجة فيُقسم الثُمن بينهنَّ.
- فرض الثلثين: ويدرج في هذه الخانة أربعة أشخاص، وهم أولئك نفسهم من أصحاب فرض النصف باستثناء الزّوج، ويُشترط بحصول أصحاب هذا الفرض على نصيبهم التعدّد، وهو وجود بنتَين أو أكثر، وبنتَي ابن أو أكثر، وشقيقتَين أو أكثر، وأختَين للأب أو أكثر.
- فرض الثلث: وأصحاب فرض الثلث هم الأم مع توافر شروط عدم وجود أبناء للوارث، وعدم وجود إخوة أكثر من واحد، والوريث الثاني من أصحاب فرض الثلث هم الإخوة والأخوات للأم، ويُشترط هنا التعدّد شرط عدم وجود فروع للوارث، ويتساوى الذّكر بالأنثى في هذه الحالة.
- فرض السّدس: يُدرج في أصحاب فرض السّدس سبع فئات من أقارب الموروث وهم:
- والد المتوفّى شرط وجود فرع وارث، وفي الميراث يُقدّم الفرع (الابن أو البنت) على والد المتوفّى في الميراث، لكن لا يحرمه من ذلك إلا أنّه ينقله إلى فرض السّدس.
- الجد (والد الأب)، ويحقّ لأبي الأب الحصول على السّدس من ميراث ابنه المتوفّى شريطة عدم وجود فرع وارث، ولا يحرم وجود الجد إخوة المتوفّى من الميراث، أمّا أبو الأم فإنّه من ذوي الأرحام.
- الأم (الوالدة) : تنتقل الأم من أصحاب فرض الثلث إلى أصحاب فرض السّدس في حال وجود عدد من الإخوة للموروث.
- الجدّة: في حال عدم وجود الأم أي وفاتها أو طلاقها، فإنّ ميراث الأم ينتقل إلى الجدّة (أمّ الأمّ أو أمّ الأب).
- البنت وبنت الابن، فإن ترك الموروث بنتاً واحدة، وابنة ابن، وعمّاً لها، فإن للبنت نصف الميراث، ويحّق لابنة الابن الحصول على السّدس من الميراث لتكملة الثلثين، ويكون باقي الميراث من نصيب العمّ (أخي الأب).
- العمّة (أخت الأب) مع الأخت الشقيقة شرط عدم وجود فروع (أبناء أو بنات الأبناء أو بنات وأبناء البنات).
- إخوة الأم (إناث وذكور)، بشرط عدم وجود فروع أي أبناء أو بنات للوارث.
مزايا الميراث في الإسلام
شرّع الله تعالى الميراث وقانونه وأصول توزيعه؛ لما له من آثار نفسيّة ومساعٍ اقتصاديّة توطّد العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، ومن الجدير بالذكر أنّ قانون الإرث في الدين الإسلاميّ من أعدل القوانين على الإطلاق، فأعطى كلّ ذي حقّ حقه، ووردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تتعلّق بهذا الأمر، وذلك دلالة على مدى أهميّة الأمر، وكانت أكثر مواضع الذكر لموضوع الميراث في الإسلام وروداً في سورة النّساء، ومن هنا نستدلّ على أنّ للميراث مزايا حتى حظي بهذه العناية الإلهيّة، وهذه المزايا هي:
- ينظّم الميراث العلاقات الأسريّة بعد توزيعه على الورثة.
- تقوية وتنمية العلاقات وأواصر الحب والمودة بين أفراد الأسرة الواحدة.
- تساعد التركة على سد حاجات الوَرَثَة الماديّة.
- يضبط قانون الميراث في الإسلام التوزيع الاقتصاديّ.
- تكافح عمليّة توزيع الإرث الفقر وتحدّ منه.
- تشجيع الأفراد على الإنتاج وبذل المجهود لنقل ما يملكون لأبنائهم مستقبلاً بعد الوفاة.
- تحقيق الرضا والعدالة بين الرجل والمرأة من أقارب الموروث.
- القضاء على الكراهية والحقد والبغضاء بين أفراد الأسرة الواحدة.
- تحقيق العدالة الأخلاقية والقانونية بين أفراد الأسرة.
- المساعدة على بناء الأسرة وتقويتها والحفاظ على تماسكها.