بدء استيطان الإنسان القديم بفضل الزراعة، وهي العامل الأساسي الذي دعم تطوره وجعله كائنا منتجاً يعيش ضمن حضارة لا مجرد أفراد تتنقل لتأمين الغذاء والماء والمأمن، رغم وجود مجموعات من البشر لازالت حتى الآن تعتمد طريقة التّرحال، ولكن ذلك بسبب قسوة ظروف عيشها والمناطق التي تقطنها، فحتى هؤلاء إذا ما وجدوا مصدر غذائي ومائي جيد بقوا قربه حتى ينضب . وبعد ذلك أصبحت الزراعة أحد أهم عوامل إقامة مجتمعات حضرية، كما فعل الرهبان في العصور الوسطى حينما بنوا أديرة وجعلوا المساحة التي حولها للزراعة، وكانوا يعتمدون نظام الثلاث ثمانيات وهو نظام يقول بأن ثماني ساعات للعمل، ثماني ساعات للنوم، وثماني ساعات للعبادة والعلم . وبفضل هذه الأديرة أقيمت مجتمعات كاملة حولها تدريجيا حتى أصبحت مدناً قوية ومكتفية ذاتياً وأسّست لحضارات ومدارس وشقت طريقها نحو التقدّم .
تعتبر المجتمعات الزراعية مجتمعات شمسية، أي تعتمد على الشمس في حياتها وسيرها، بحيث أن تبدل الفصول وعامل حرارة الشمس وظهورها هو الذي يؤثر في انتاجها وحياتها، فهذه المجتمعات مثلا تجد أن مواسم صخبها وتجدد حياتها تعتمد على وقت الحصاد، كالزواج مثلا ، فالشاب والفتاة ينتظرون موسم الحصاد كي يقيموا الفرح . وهذه المجتمعات تكون أكثر ترابطا وتماسكا بسبب وجود المصلحة العامة التي تجمع بينهم والعامل الاقتصادي الذي يهتم لأمره الجميع ، وفي بعض الأوقات أو الحقب كانت مصدر للمأساة والبؤس ، بحيث أن اعتبار الزراعة ثروة جعلها تخضع لنظم اقطاعية استغلت عمل الكثيرين من الناس لصالح شخص واحد أو مجموعة صغيرة من الأشخاص ، هم مالكي الأراضي الذين استغلوا حاجة الإنسان للعمل .
تسير الحياة في المناطق الزراعية على نهج معين ودقيق، ولكن تبقى النتائج غير مضمونة، وما على الإنسان إلا ان يبذل كل جهده ومن ثم ينتظر من الطبيعة أن تكون طيبة معه وتعطيه ناتج هذا المجهود ، وفي أحيان معينة لم تسر قوانين الطبيعة على هوا المزارعين فنزلت أمطار شديدة أفسدت المزروعات أو تعرضت المزروعات للسقيع أو غيرها من الظواهر الطبيعية وقديما كان الإنسان يلجأ لخرافات كي يأمل بنجاة محصوله فيقدم قرابين للألهة بخاصة آلهة المطر والريح توددا منه كي لا تحل الكوارث بتعبه وجهده وتفنيهما ، تبدء الحياة الزراعية في مراحل أوّلها تحضير التربة للبذر، ومن ثم توزيع البذور عليها، ليأتي بعد ذلك دور الحراثة وتقليب التربة لكي تمكنها من حضن البذور جيداً ، والمواضبة على رعايتها حتى تنمو ، إلى أن يأتي موسم الحصاد وهو الوقت الذي يتم به جني المحاصيل النّاتجة، وللحصاد طرق ووسائل معينة كانت قديما بدائية باستخدام أدوات بسيطة إلى أن تم اختراع آلات تسهل هذه العملية كالحصادة التي تستطيع القايم بعمل عشرات الأفراد بوقت قصير جداً .