نظراً للحوادث التي قد تصيب الطائرات ، من وقوع وتحطّم وربّما وإنفجار ، والتي تبقى مجهولة أسبابها ، ويحيط بها الكثير من الغموض ، حيث جاهد الكثيرون من خبراء الطيران بمعرفة هذه الما هى اسباب ، وظلّت الشكوك حولها ، وأيضاً التشكيك بالطيران المدني وبمستقبله ، فقد قام ديفيد وارن وهو العالم والخبير في أمور الطيران الأسترالي الأصل ، بصنع مسجّل يمكن من خلاله متابعة ومعرفة ما هى اسباب سقوط الطائرة أو إنفجارها بعد تعرّضها لأيّ واقعةٍ ، حيث أنّ هذا الجهاز لا يتأثر بالإنفجارات ولا التحطّم في حال ارتطامه ، ولا يتأثّر بالماء أو الهواء ، ويمكن له التسجيل لمدّة أربع ساعات ، ويتميّز بحجمه الصغير .
ولكنّ السلطات الأستراليّة قد رفضت هذا الجهاز ، معتبرةً بأنّه "عديم الفائدة" ، ليصاب هذا العالم بالدهشة إذ أطلق عليه كنوع من السخرية ( الأخ الكبير ) من بعض الطيارين ، حيث اعتبر بأنّه يحاول التجسّس عليهم في أثناء رحلاتهم ، إذ يسجّل هذا الجهاز أحاديث الطيّارين في المقصورة المخصّصة للقيادة .
فقام وارن يعرض جهازه هذا على السلطات البريطانيّة ، التي رحّبت بدورها في هذا الابتكار العظيم ، وما كان من أصحاب شركات الطيران إلاّ أن تهافتت عليه ، لتقديم العروض بهدف تطوير هذا الجهاز وصناعته ، وكان ذلك بعد تقرير أعدّته إذاعة BBC وبثّته عبر الأثير .
وقد ألزمت فيما بعد القوانين الدوليّة ، لوضع جهازيّ التسجيل في جميع الطائرات التي تقوم بالرحلات المدنية التجارية ، وكانت مهمّة الصندوق الأول تسجيل الوقت والاتجاه والسرعة في الطائرة ، حيث يحفظ البيانات الرقميّة ، وكانت مهمّة الصندوق الثاني تسجيل الحوارات والمشاحنات والاستنجادات التي تحصل ، وكانا يوضعان في مؤخّرة الطائرة .
توضع آلات التسجيل هذه في صندوقين مصنوعين من عنصر التيتانيوم ، وهي مادة متينة جداً ، وتكون محيطة بهما مواد عازلة ، حيث يمكنها تحمّل الصدمات والحرارة العالية جداً ، إضافة إلى الضغط العالي في عمق المحيطات ، إضافة لوجود المادة العازلة التي تمنع مسح أيّ معلومة عن شريط التسجيل وتحميها من أيّ تآكلٍ أو عطب خلال فترة 30 يوم ، وهما مجهّزان ببرنامج يطلق إخطاراً فوق صوتي إذا تعرّضت الطائرة للغرق أو الإنفجار ، كمساعدة للعثور عليه ، وتكون ذبذبة هذا الإشعار 37.5 كيلو هرتز ، وإلتقاطه ممكنة من على عمق 3500 متراً تحت سطح البحر .
إنّ الصندوق الأسود الموجود في أيامنا هذه ، يقوم بالتسجيل ما بين 30 حتّى 120 ساعة تسجيل ، ويبث على أربعة قنوات ، ويقاوم الاحتراق والنيران حتّى درجة 1100 درجة مئوية في الساعة ، ويقاوم 5000 متر من ضغط الماء ، أمّا بطاريّته فإنّها صالحة لمدة 6 سنوات ، ومدة تسجيله للمعلومات تكون طويلة جداً ، إذ أصبح التسجيل على ذاكرة وميضيّة ، ويصمدّ بقوّة أمام التفجيرات الهائلة والسقوط العالي .
يبقى أن أشير إلى أنّ الصندوق الأسود لا علاقة له بهذا الاسم ، حيث لونه هو البرتقالي وأحياناً الأصفر ، وذلك لسهولة رؤيته عند تحطّم الطائرة ، ويرجح البعض إلى أنّ اسم الصندوق الأسود أطلق عليه لأنّه يحوي معلومات غامضة ، كانت قبل وجوده سوداء غير معروفة .