الوطن: هو الحضن الدافئ الّذي يجمع أبناءه على أراضيه، وبين وروده وجباله وفوق سهوله وبجانب مياهه، فهو الثروة الحقيقيّة التي لا يقدّرها إلّا الإنسان العاقل، فلو أنّ الإنسان فقد وطنه لكان ذلك من أشد الكوارث التي قد يصاب بها في حياته، لأنّ الوطن هو الثروة الأولى والأخيرة للإنسان، فهو الذي يعمل الإنسان عليه ويعيش عليه بسلام وأمان ورحمة ومودّة ومحبّة، ولننظر إلى إخوتنا المهجّرين من أراضيهم، ونرى كم هي حجم معاناتهم الّتي يعانونها بسبب فرقتهم في كافّة أصقاع الأرض، بسبب ما نشأ في أوطانهم من حروب أهليّة لم تبق ولم تذر، وأكلت الأخضر واليابس، بالإضافة إلى أولئك الصّامدين على أراضيهم بسبب من اغتصب أراضيهم وكيف أنهم لم يتخلّوا عن هذه الأراضي نهائياً، حتى لو فنوا تماماً عن الأرض، فالوطن بالنسبة للإنسان كلّ شيء.
حبّ الوطن لا يكون بالشعارات الرنّانة والخطابات الجماهيريّة التي يلقيها الفاسدون عادة في الأوطان ومن يعدّون أبعد الناس عن حب الأوطان، بل يكون بالفعل والعمل والحب والرغبة في إقامة علاقات جيّدة مع كافّة الأخوة الّذين يعيشون على هذه الأرض، والّذين نتقاسم معهم الخبز والشراب والهواء، والذين نتقاسم معهم حبّ الأرض؛ فالأرض إن أحبّت أعطت هكذا علمنا أجدادنا.
العمل والتضحية بالغالي والنفيس هو سبيل حب الوطن، بالإضافة إلى التخلّي عن المصلحة الشخصيّة في مقابل استمرار الوحدة بين كافّة مكوّنات الشعب الذي يعيش على أرض الوطن، فالوطن هو أوسع حاضنة من الممكن أن يتخيّلها الإنسان، وهو أوسع من العرق والأصل والدّين واللغة لأنّ كلّ هؤلاء من الممكن أن يتواجدوا على أرض واحدة وباختلافات شاسعة، فقد تجد أعراقاً مختلفةً من كافّة مناطق العالم تعيش على أرضٍ واحدة، وقد يجد الإنسان أدياناً متعدّدة وكثيرة تعيش أيضاً على الأرض الواحدة، هذا عدا عن اللغات والتوجّهات والأيدولوجيّات وغير ذلك الكثير من الاختلافات الشاسعة، وكلّ هؤلاء يتركون هذه الاختلافات ويضحّون بها في سبيل حب الوطن والبذل لأجله، فهذا الأمر هو الذي سيسبّب رفعة الوطن وازدهاره، ولننظر إلى الدول التي ارتقت في مراتب عظيمة على مستوى العالم، ولنر كيف أن هذه الدول تضمّ العديد من المكونات المختلفة والتي تجمّعت لأجل العيش المشترك والعمل والأخوة على أرض واحدة جمعتهم جميعاً فوق أرضها وتحت سمائها.
فحبّ الوطن بحبّ الناس، وحبّ كل زاوية من زوايا الوطن ومن غير مقابل ومن دون انتظار المكافأة، فانتظار المكافأة ليس من حبّ الوطن في شيء.
