كان لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم أثر كبير على النفوس، فباشر العديد من الشعراء بكتابة الشعر بهذه المناسبة، وتقديرا له للجهد الذي بذله عليه السلام من أجل الدعوة، لهذا أردنا هنا أن نورد اجمل وافضل الأشعار عن الهجرة.
شعر عن هجرة الرسول
يا هجرة المصطفى
يا هجرة المصطفى والعين باكية
والدمع يجري غزيرا منماقيها
يا هجرة المصطفى هيجت ساكنة
من الجوارح كاد اليأس يطويها
هيجت أشجاننا والله فانطلقت
منا حناجرنا بالحزن تأويها
هاجرت يا خير خلق الله قاطبة
من مكة بعد ما زاد الأذى فيها
هاجرت لما رأيت الناس في ظلم
وكنت بدرا منيرا في دياجيها
هاجرت لما رأيت الجهل منتشرا
والشر والكفر قد عما بواديها
هاجرت لله تطوي البيد مصطحبا
خلا وفيا.. كريم النفس هاديها
هو الإمام أبو بكر وقصته
رب السماوات في القرآن يرويها
يقول في الغار لا تحزن لصاحبه
فحسبنا الله: ما أسمى معانيها
هاجرت لله تبغي نصر دعوتنا
وتسأل الله نجحا في مباديها
هاجرت يا سيد الأكوان متجها
نحو المدينة دارا كنت تبغيها
هذي المدينة قد لاحت طلائعها
والبشر من أهلها يعلو نواصيها
أهل المدينة أنصار الرسول لهم
في الخلد دور أعدت في أعاليها
قد كان موقفهم في الحق مكرمة
لا أستطيع له وصفا وتشبيها
الهجرة الكبرى
ولم يزل سيد الكونين منتصبا
لدعوة الدين لم يفتر ولم يجم
يستقبل الناس فى بدو وفى حضر
وينشر الدين فى سهل وفى علم
حتى استجابت له الأنصار واعتصموا
بحبله عن تراض خير معتصم
فاستكملت بهم الدنيا نضارتها
وأصبح الدين فى جمع بهم تمم
قوم أقروا عماد الحق واصطلموا
بيأسهم كل جبار ومصطلم
فكم بهم أشرقت أستار داجية
وكم بهم خمدت أنفاس مختصم
فحين وافى قريشا ذكر بيعتهم
ثاروا إلى الشر فعل الجاهل العرم
وبادهوا أهل دين الله واهتضموا
حقوقهم بالتمادى شر مهتضم
فكم ترى من أسير لا حراك به
وشارد سار من فج إلى أكم
فهاجر الصحب إذ قال الرسول لهم
سيروا إلى طيبة المرعية الحرم
وظل فى مكة المختار منتظرا إذنا من الله فى سير ومعتزم
فأوجست خيفة منه قريش ولم
تقبل نصيحا ولم ترجع إلى فهم
فاستجمعت عصبا فى دار ندوتها
بغى به الشر من حقد ومن أضم
ولو درت أنها فيما تحاوله
مخذولة لم تسم فى مرتع وخم
أولى لها ثم أولى أن يحيق بها
ما أضمرته من البأساء والشجم
إنى لأعجب من قوم أولى فطن
باعوا النهى بالعمى والسمع بالصمم
يعصون خالقهم جهلا بقدرته
ويعكفون على الطاغوت والصنم
فأجمعوا أمرهم أن يبغتوه إذا
جن الظلام وخفت وطأة القدم
وأقبلوا موهنا فى عصبة غدر
من القبائل باعوا النفس بالزعم
فجاء جبريل للهادى فأنبأه
بما أسروه بعد العهد والقسم
فمذ رآهم قياما حول مأمنه
يبغون ساحته بالشر والفقم
نادى عليا فأوصاه وقال له
لا تخش والبس ردائى آمنا ونم
ومر بالقوم يتلو وهو منصرف
يس وهي شفاء النفس من وصم
فلم يروه وزاغت عنه أعينهم
وهل ترى الشمس جهرا أعين الحنم
وجاءه الوحي إيذانا بهجرته
فيمم الغار بالصديق فى الغسم
فما استقر به حتى تبوأه
من الحمائم زوج بارع الرنم
بنى به عشه واحتله سكنا
يأوى إليه غداة الريح والرهم
إلفان ما جمع المقدار بينهما
إلا لسر بصدر الغار مكتتم
كلاهما ديدبان فوق مربأة
يرعى المسالك من بعد ولم ينم
إن حن هذا غراما أو دعا طربا
باسم الهديل أجابت تلك بالنغم
يخالها من يراها وهي جاثمة
فى وكرها كرة ملساء من أدم
إن حن هذا غراما أو دعا طربا
باسم الهديل أجابت تلك بالنغم
يخالها من يراها وهي جاثمة
فى وكرها كرة ملساء من أدم
إن رفرفت سكنت ظلا وإن هبطت
روت غليل الصدى من حائر شبم
مرقومة الجيد من مسك وغالية
مخضوبة الساق والكفين بالعنم
كأنما شرعت فى قانيء سرب
من أدمعى فغدت محمرة القدم
وسجف العنكبوت الغار محتفيا
بخيمة حاكها من أبدع الخيم
قد شد أطنابها فاستحكمت ورست
بالأرض لكنها قامت بلا دعم
كأنها سابري حاكه لبق
بأرض سابور فى بحبوحة العجم
وارت فم الغار عن عين تلم به
فصار يحكى خفاء وجه ملتثم
فيا له من ستار دونه قمر
يجلو البصائر من ظلم ومن ظلم
فظل فيه رسول الله معتكفا
كالدر فى البحر أو كالشمس فى الغسم
حتى إذا سكن الإرجاف واحترقت
أكباد قوم بنار اليأس والوغم
أوحى الرسول بإعداد الرحيل إلى
من عنده السر من خل ومن حشم
وسار بعد ثلاث من مباءته
يؤم طيبة مأوى كل معتصم
فحين وافى قديدا حل موكبه
بأم معبد ذات الشاء والغنم
فلم تجد لقراه غير ضائنة
قد اقشعرت مراعيها فلم تسم
فما أمر عليها داعيا يده
حتى استهلت بذى شخبين كالديم
ثم استقل وأبقى فى الزمان لها
ذكرا يسير على الآفاق كالنسم
فبينتعرف ما هو يطوى البيد أدركه
ركضا سراقة مثل القشعم الضرم
حتى إذا ما دنا ساخ الجواد به
فى برقة فهوى للساق والقدم
فصاح مبتهلا يرجو الأمان ولو
مضى على عزمه لانهار فى رجم
وطريقة كيف يبلغ أمرا دونه وزر
من العناية لم يبلغه ذو نسم
فكف عنه رسول الله وهو به
أدرى وكم نقم تفتر عن نعم
ولم يزل سائرا حتى أناف على
أعلام طيبة ذات المنظر العمم
أعظم بمقدمه فخرا ومنقبة
لمعشر الأوس والأحياء من جشم فخر يدوم لهم فضل بذكرته
ما سارت العيس بالزوار للحرم
يوم به أرخ الإسلام غرته
وأدرك الدين فيه ذروة النجم
ثم ابتنى سيد الكونين مسحده
بنيان عز فأضحى قائم الدعم
واختص فيه بلالا بالأذان وما
يلفى نظير له فى نبرة النغم
حتى إذا تم أمر الله واجتمعت
له القبائل من بعد ومن زمم
قام النبي خطيبا فيهم فأرى
نهج الهدى ونهى عن كل مجترم
وعمهم بكتاب حض فيه على
محاسن الفضل والآداب والشيم
فأصبحوا فى إخاء غير منصدع
على الزمان وعز غير منهدم
وحين آخى رسول الله بينهم
آخى عليا ونعم العون فى القحم
هو الذى هزم الله الطغاة به
فى كل معترك بالبيض محتدم
فاستحكم الدين واشتدت دعائمه
حتى غدا واضح العرنين ذا شمم
وأصبح الناس إخوانا وعمهم
فضل من الله أحياهم من العدم
نفحات الهجرة
شع الهدى والبشر في بسماته
واليمن والإيمان في قسماته
وتفجرت فينا ينابيع الهدى
واستيقظ التأريخ من غفواته
"إقرأ وربك" في حراء تحررت
والدهر غاف في عميق سباته
جبريل حاملها وأحمد روحها
إن الحديث موثق برواته
مهج الملائك بالتلاوة تنتشي
فتقبل الكلمات وعبارات فوق شفاته
صلى عليك الله يا من ذكره
قربى.. ونور الله من مشكاته
يا من كساه الله حلة سمته
وكساه بالقرآن حلة ذاته
لما أضاء الله مهجة قلبه
هانت عليه الروح في مرضاته
غسل الكرى عن أعين الدنيا كما
يجلى الدجى بالفجر في فلقاته
وأنار بالآيات كل بصيرة
فكأن نور الشمس من قسماته
واقتاد للجنات أسمى موكب
"إياك نعبد" تمتمات حداته
اقرأ معاني الوحي في كلماته
في نسكه وحياته ومماته
لو نظمت كل النجوم مدائحا
كانت قلائدهن بعض صفاته
يا من بنى للكون أكرم أمة
من علمه.. من حلمه وأناته
صاروا ملوكا للأنام بعيد أن
كانوا رعاء الشاء في فلواته
فسل العدالة والفضيلة والندى
وسل المعنى عن ملم شتاته
وسل المكارم والمحارم والحيا
من غض عن درب الخنا نظراته
من حطم الأصنام في تكبيره
من عانق التوحيد في سجداته
من أطلق الإنسان من أغلاله
من أخرج الموءود من دركاته
من علم الحيران درب نجاته
من أورد العطشان عذب فراته
من هد بنيان الجهالة والعمى
وبنى الأمان على رميم رفاته
فإذا بأخلاق العقيدة تعتلي
زور التراب وجنسه ولغاته
وإذا لقاء الله يأسر في رضا
وتشوق من كان عبد حصاته
ورأى جنان الخلد حقا فازدرى
دنياه.. واستعلى على لذاته
أرأيت إقدام الشهيد وقد سعى
للحتف معتذرا إلى تمراته
حملوا الهدى للكون في جفن الفدا
فتحرر الوجدان من شهواته
خيالة المجد المؤثل والعلا
فكأنما ولدوا على صهواته
سمارة المحراب في ليل وإن
نادى الجهاد فهم عتاة كماته
في الهجرة الغراء ذكرى معهد
نستلهم الأمجاد من خطراته
تاريخ أمتنا.. ومنبع عزنا
ودروبنا تزهو بإشراقاته
فيه الحضارة والبشارة والتقى
ومقيل هذا الكون من عثراته
فتألقي يا نفس في نفحاته
واستشرفي الغايات من غاياته