الهجرة النبويّة
لقد ربّى النبي الكريم المسلمين في مكة المكرمة تربيةً إيمانيَة عميقة، وتأكّد من ترسيخ جميع قواعِد الشريعة الإسلاميّة، فقد كانت آيات القرآن الكريم التي نزلت في تلك الفترة يتحدَّث عن العقيدة الإسلاميّة والعبادات وركائز الدين الإسلاميّ، ولكن مع زيادة أذى قريش للنبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه ارتأى أنّه لا يمكن العيش مع الكفر بعد الآن، وبعد أن تأكد النبي صلى الله عليه وسلّم من استعداد الأنصار لنصر الدعوة الإسلامية جاءه أمر الله تعالى بالهجرة إلى المدينة المنوّرة، وكانت الهجرة في السنة الثالثة عشر من بعثته صلى الله عليه وسلّم.
فبدأ الصحابة يهاجِرون إلى المدينة المنورة سراً وجهراً، فرادى وجماعات، إلى أنْ علم المشركون بِنيّة المسلمون الهجرة وتأسيس الدولة الإسلاميّة، فاتبعوا كافة الوسائِل لمنعهم من تنفيذ خطّتهم.
تحدّيات هجرة الصحابة
تنوّعت أساليب قريش في محاربة المهاجرين من الصَّحابة إلى المدينة المنوّرة نذكر منها:
التفريق بين الرجل وزوجته وأبنائِه
كان بعض المشركين عندما يرون أحد المسلمين وأسرته ينوون الهجرة يسلبون زوجته منه أو ولده، مثل أم سلمة هند بنت أبي أميّة التي أخذها رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، ثم ثارت بنو الأسد وأخذوا ابن أبي سلمة من أمه، وبقيت أم سلمة عند بني المغيرة، وانطلق أبو سلمة إلى المدينة المنورة، وبهذا حاول المشركون الضغط على المسلمون في ترك الهجرة والعودة عن الدين الإسلامي.
الاختطاف
لم يكتفِ المشركون بمنع المسلمين الموجودين في مكة المكرمة من الهجرة إلى المدينة المنوّرة، وإنما حاولوا خطف من هاجر وإعادتهم إلى مكة، وفعلاً نجحوا بخطف أحد المسلمين وأعادوه إلى مكة.
التجريد من المال
اتبع بعض المشركين أسلوب سحب الأموال والأملاك من المسلمين الذين ينوون الهجرة، ومن الأمثلة على ذلك عندما ساوموا صهيب بن سنان النمري على ماله مقابل أن يهاجِر، فضحّى بكل ما يملك لهم وهاجر، وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلّم: ((ربح صهيب، ربح صهيب)).
هجرة النبي صلى الله عليه وسلّم وأبو بكر الصديق
بعد أن شاهدت قريش فشلها في منع الصحابة من الهجرة إلى المدينة المنورة اتجهت أنظارها نحو سيدنا محمد صلى الله عليه، واجتمعوا يفكِّرون ما يصنعون به، فأشاروا أن يجتمع من كل قبيلة شاب قوي، وينتظرون النبي صلى الله عليه وسلّم عند باب بيته، وعندما يخرج يضربونه ضربة الرجل الواحد، فيموت ويتفرَّق دمه بين القبائِل، ولكن الله تعالى أوحى للنبي ما يكيدون له، فأمر النبي علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه أن ينام في فراشه، وعندما طلع الصبح ووجد المشركون أنّ من في البيت هو علي بن أبي طالِب صُدِموا وبُهِتوا.
أذِن الله تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلَم بالهجرة هو وصاحبه أبو بكر الصِّديق، وحاولت قريش اتباعهما ولكنهما ذهبا إلى غار ثور، فأوحى الله تعالى للعنكبوت أن تنسج بيتها على الباب، فلما شاهدتها قريش تيقّنت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم لم يمر من عند الغار فعادت أدراجها خائبة، ووبقي النبي وصاحبه في الغار لمدة ثلاث ليالٍ، ثم انطلق يكملون سيرهما إلى المدينة المنوّرة.
