قرطبة
مدينة قرطبة هي إحدى المدن والتي تتبع لمنطقة أندلوسيا الواقعة إلى الجنوب من الدولة الإسبانيّة، وتقع هذه المدينة على ضفة الوادي المعروف بالوادي الكبير، اشتهرت المدينة أيّام الحكم العربي الإسلامي لدولة إسبانيا؛ حيث كانت في تلك الفترة عاصمةً للدولة الأموية. اسم قرطبة يرجع إلى مصدرين، أوّلهما أعجمي والثاني عربي، وتعني قرطبة باللغة العربية هي (العدو الشديد)، وفي رواية أخرى إنّ قرطبة تعني (صرعة) والقرطبة السيف وكأنه قطعة.
أمّا أصل الكلمة هو (كوردوبا) فتعود لأصلٍ آيبيري؛ حيث تشير التسمية إلى مدينةٍ أزليةٍ جداً، ورد ذكرها في الصراع الذي كان دائراً بين قرطاجنة واليونان، حين اشترك أهالي المدينة إلى جانب (هانيبال) في حملته على روما، وأصبحت المدينة فيما بعد تابعة للإمبراطوريّة الرومانية.
قرطبة عبر التاريخ
تأسّست المدينة كمستوطنةٍ رومانية على ضفاف نهر بيتيس (نهر الوادي الكبير)، ومن ثمّ أصبحت عاصمةً لولاية بيتيكا والتي تقع إلى الجنوب من إسبانيا، ضمن أراضي الإمبراطوريّة الرومانيّة؛ حيث بقيت تابعةً لليونانيين لمدة تزيد عن السبعة قرون، تشهد على تلك الفترة الآثار المتبقية، ومن أبرزها الجسر الروماني وأطلال معبدٍ روماني .
بعد سقوط حكم الرومان على يد البرابرة، تبعت المدينة لشبه الجزيرة الآيبيريّة؛ حيث أصبحت تحت حكم القوط، إلى أن جاء المسلمون فأسقطوا حكم القوطيين، وقاموا بفتح الأندلس بما فيها قرطبة في القرن الثامن للميلاد .
فتح الأمويون قرطبة على يد القائد (مغيث الرومي)، وذلك بعد أن عبر بقواته بلاد الأندلس (آيبيريا سابقاً)، وقتل مليكها رودريك، وأصبحت بعدها قرطبة تابعة لولاية المغرب، فقام عمر بن عبد العزيز بجعلها تتبع للأندلس؛ حيث أصبحت هذه المدينة مقراً للأمويين حتى سقوط الدولة الأموية على أيدي العباسيين .
علا شأن المدينة في عهد عبد الرحمن الداخل، الّذي قام بالفرار من حكم العباسيين وسيطر على مقاليد الحكم في الأندلس؛ حيث جعل من قرطبة عاصمةً له، فشهدت في عهده عصرها الذهبي، لتصبح بالإضافة لكونها عاصمةً للأندلس، من أهمّ مدن شبه الجزيرة، وتمّ بناء جامع قرطبة الكبير في عهده والذي لا يزال قائماً حتى يومنا هذا.
الثورات في قرطبة
تعرّضت المدينة للعديد من الثورات والغزوات بعد ذلك، حتى هزم المسلمون في معركة العقاب، وسقطت الأندلس في أيدي مملكة قشتالة، وبقيت قرطبة آخر المدن الصامدة في وجه الغزاة حتى سقطت أخيراً على يد فرناندو الثالث، وذلك بعد ما يزيد عن ثلاثمائة عامٍ من حكم المسلمين للمدينة، لتفرغ المدينة من المسلمين باستثناء عددٍ قليلٍ منهم سَمح لهم الإسبان بالبقاء، لكن الإسبان بدؤوا بالتضييق على من تبقّى من المسلمين لاعتناق المسيحيّة، من خلال محاكم التفتيش التي استَخدمت شتى أنواع العذاب لردهم عن دينهم، حتى وصل الأمر للقتل، فارتدّ البعض منهم وخشي البعض الآخر من التعذيب والقتل فلاذوا بالفرار، لكن الإسبان قاموا بطرد المسلمين المرتدين وأحفادهم بعد ذلك من البلاد، كما قاموا بطرد اليهود أيضاً منها، وكان ذلك في بداية القرن السابع عشر للميلاد .