إبراهيم بن أدهم أبو إسحاق و هو إبراهيم بن منصور بن زيد بن جابر العجلي و هو واحد من علماء أهل السنة والجماعة و هو أيضا واحد من رموز التصوف السني و أصله من بلخ و عاش في القرن الثاني الهجري , و قد كان ابراهيم بي أدهم واحد من أبناء الملوك و المَياسير , ذات يوم خرج للصيد , و استفز ثعلبا و لحق به فهنف اليه يناديه و يقول : " والله ! ما لهذا خلقت ! ، ولا بهذا أمرت ! " , وز قام بالنزول عن فرسه و وجد راعيا من رعاة أبيه , فأخذ ملابسه و لبسها و بدل معه ثيابه و قماشه و فرسه , و بدل طريقته في الدنيا و ترك الزينة و لتزين و ارتد لأهل الورع و الزهد و التقوى , و ذهب الى مكة اصطحب معه سفيان الثوري , و الفضيل ابن عياض , ثم ذهب الى بلاد الشام و عمل فيها و اعتمد على نفسه و أكل بيده .
سأل الناس ابراهيم ابن أدهم لم لا تخالطنا , فأجاب : " إن صحبت من هو دوني أذاني بجهله , و إن صحبت من هو فوقي تكبر علي , و إن صحبت من هو مثل حسدني , فأشتغلت بمن ليس في صحبته ملل ولا وصله انقطاع ولا في الأنس به وحشة , الفقر مخزون في السماء ، يعدل الشهادة عند الله ، لا يعطيه إلا لمن أحبه , قلة الحرص و الطمع تورث الصدق و الورع ، و كثرة الحرص و الطمع تكثر الهم و الجزع , على القلب ثلاثة أغطية : الفرح ، و الحزن ، و السرور , فإذا فرحت بالموجود فأنت حريص ، الحريص محروم , و إذا حزنت على المفقود فأنت ساخط ، و الساخط معذب , و إذا سررت بالمدح فأنت معجب ، و العجب يحبط العمل , و دليل ذلك قول القرآن : قال تعالى ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) صدق الله العظيم ".
و حين كان ابراهيم ابن أدهم يمشي في البصرة اجتمع حوله الناس و قالوا : " ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا ، والله تعالى يقول : (وقال ربكم ادعون أستجب لكم) ؟؟ فأجاب : " يا أهل البصرة قد ماتت قلوبكم بعشرة أشياء : عرفتم الله ولم تؤدوا حقه . قرأتم القرآن ولم تعملوا به . ادعيتم حب الرسول صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته . ادعيتم عداوة الشيطان وأطعتموه . ادعيتم دخول الجنة ولم تعملوا لها . ادعيتم النجاة من النار ورميتم فيها أنفسكم . قلتم الموت حق ولم تستعدوا له . اشتغلتم بعيوب الناس ولم تنشغلوا بعيوبكم . دفنتم الأموات ولم تعتبروا . أكلتم نعمة الله ولم تشكروه عليها " . كما كان يقول : (ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا ولا نسأل كشفه من ربنا) .
قال رجل لإبراهيم بن أدهم : " إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء " , فأجابه : " لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه في الليل ، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف ، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف " , كما قال : " إذا كنت بالليل نائما وبالنهار هائماً وفي المعاصي دائماً فكيف تُرضى من هو بأمورك قائماً ؟! " , و من أقواله أيضا : " إنما يتم الورع بتسوية كل الخلق في قلبك، والاشتغال عن عيوبهم بذنبك، وعليك باللفظ الجميل من قلب ذليل لرب جليل، فكر في ذنبك وتب إلى ربك ينبت الورع في قلبك واقطع الطمع إلا من ربك"