السنّة النبوية
يمكن لنا أن نعرف السنة النبوية الشريفة على أنها ما ورد عن الرسول من قول أو فعل أو صفة خُلُقية أو سيرة نبوية عطرة أو تقرير، يعتبرها غالبية أهل السنة والجماعة مصدر التشريع الثاني، فيما ذهب البعض إلى إنكارها واكتفوا بالقرآن الكريم من ناحية التشريع وقالوا أن السنة المقبولة هي فقط ما ورد عن الرسول من طريقة أداء الشعائر والأحاديث التي تتمحور حول الأخلاق فقط وأطلق عليهم مخالفوهم لقب " القرآنيين "، أما القسم الثالث فقال أن ما وافق القرآن الكريم منها يؤخذ وما لم يوافقه يُرد، والقسم الثاني والقسم الثالث أُطلق عليهم أيضاً لقب " العقلانيين "، لأنهم فضلوا استعمال عقولهم ووزن كل ما يسمعونه بميزان العقل قبل أن يحكموا عليه، حيث أنهم حملوا عبارة " أطفئ نور عقلك واتبعني " وألقوا بها في البحر، فقد اعتبروا هذه العبارة من مسببات الجهل والضياع للأمة. وقد نشبت خلافات كبيرة جداً ما بين القسم الأول والقسمين الثاني والثالث معاً هذا عدا عن وجود بعض التباين في الآراء بين القسم الثاني والقسم الثالث ولكنها لم تصل إلى حد المعارك الكلامية نهائياً فلم تتجاوز كونها مجرد اختلاف رأي. ولكن المعركة الضروس هي الأولى.
كتب الحديث
أما كتب الحديث الستة هي الكتب التي وضعها ستة من علماء المسلمين الأجلاء، وهي كتب في الحديث النبوي الشريف، ولقد كانت هذه الكتب 5 كتب إلا أن أنها أصبحت 6 كتب بعد ذلك، وذلك بعد أن تم إلحاق كتاب ابن ماجة بهذه الكتب الخمسة لتصبح 6 كتب. الكتب الستة هي صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن النسائي وسنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن ابن ماجه. اعترض البعض من الفئتين الثانية والثالثة، على تسمية كتابي البخاري ومسلم باسم الصحيحين نظراَ لأنهما " أصح " كتابان بعد القرآن الكريم على الترتيب وليس شرطاً أن كل ما جاء فيهتعرف ما هو صحيح، وأن كلمة صحيح تعطي انطباعاً بعكس ذلك وهو أن كل ما ورد في هذا الكتاب صحيح قطعاً وعززوا رأيهم هذا بأنه إن كان صحيحاً بالكامل فقد وصل إلى رتبة القرآن الكريم في الدقة والكمال الأمر الذي جعلهم يلاقون هجوماً عنيفاً من أتباع الفئة الأولى.
لقد اشتغل علماء المسلمين في الحديث النبوي الشريف بشكل لا يوصف من الدقة والروعة والإتقان، حتى أنهم أصبحوا عبرة لكل من أراد أن ينقل حرفاً عمن سبقه، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، إذ قسموا الحديث إلى مراتب بناءً على رواته هل هم من الثقات أم لا فكانت هذه المراتب بين الحديث الصحيح وبين الحديث الضعيف، وكل هذه الأحاديث تم جمعها في مؤلفات خاصة. ولأجل أن يتحقق من الحديث النبوي الشريف ومن مدى صحته فقد وضع العديد من العلماء علوماً جديدة مكنتهم من الوصول إلى هذه الغاية ومن أبرز هذه العلوم علم الجرح والتعديل وعلم علل وعلم مصطلح الحديث، وبسبب روعة هذه العلوم استفاد منها المؤرخون ومن اشتغلوا في باقي العلوم وليس فقط من اشتغلوا بالحديث النبوي الشريف.
ابن ماجه
هو أبو عبدالله محمد بن ماجه الربعي القزويني، وهو أحد الأئمة الستة في علوم الحديث النبوي الشريف، ولد هذا الإمام الجليل في العام 209 من الهجرة النبوية الشريفة، وقد اشتغل كثيراً هذا الإمام بعلوم الحديث النبوي الشريف، حيث أنه قصد العديد من علماء الحديث النبوي في العديد من بقاع العالم الإسلامي آنذاك وفي سن مبكرة، ومن ضمن البلاد التي زارها هذا الإمام بلاد الشام وتحديداً دمشق والكوفة في العراق ومصر والحجاز وغيرها من البلاد المختلفة في العالم الإسلامي المترامي الأطراف آنذاك، حيث أتاح له السفر والترحال من منطقة إلى أخرى بالالتقاء بأهل العلم وطلبته والتنقل بينهم والاجتماع بهم، حتى أصبح متقناً لهذا العلم الديني، ومن أبرز من سمع منهم ابن ماجه من الشيوخ وفي كافة البلاد التي قصدها محمد بن المثنى البصري وأبي بكر بن أبي شيبة وعمرة بن عثمان وأزهر بن مروان وداود بن رشيد وهشام بن عمار وجبارة بن المغلس ومحمد بن عبدالله بن نمير ومحمد بن بشار ومحمد بن رمح وعلقمة الدارمي وغيرهم العديد من أبرز علماء الحديث النبوي الشريف في ذلك الوقت.
بعد هذه المعاناة الكبيرة والسعي الجاد والدؤوب في طلب العلم الشرعي، استطاع هذا العالم الفاضل تأليف العديد من كتب الحديث النبوي الشريف والتي من أبرزها كتابه المسمى بـ " سنن ابن ماجه " والذي يعد من أمهات الكتب في علم الحديث النبوي الشريف، بالإضافة إلى الكتب الخمسة الأخرى المذكورة أعلاه، هذا عدا عن كتاب ألفه وهو تفسير حافل للقرآن الكريم وكتاب في التاريخ أرخ فيه لمن عاصر صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى عصره، ولكن وللأسف الشديد لم يبق أي أثر من أثر هذا الجليل إلا كتاب " سنن ابن ماجه " فهو ما بقي لنا إلى يومنا هذا.
من أبرز من أخذ علم الحديث النبوي الشريف عن هذا العالم الفاضل هو محمد الصفار وإسحاق بن محمد وأحمد بن إبراهيم وسليمان القزويني وابن سيبوية وأحمد بن روح البغدادي وعلي بن إبراهيم القطان وغيرهم العديد من أبرز الرواة وأشهرهم - عليهم رحمة الله جميعاً -.
حاز ابن ماجه على إعجاب العديد من الأئمة والعلماء حتى أنهم عدوه من الثقات العدول، فقد عدوه واحداً من أكبر الأئمة كما أنهم عدوه واحداً من احسن وأفضل المحدثين على مر الزمان، فمن أبرز من أثنى عليه الإمام الذهبي - رحمه الله حيث قال فيه أنه كان حافظاً وعالماً وناقداَ وصادقاً، بالإضافة إلى ثناء ابن خلكان - رحمه الله - عليه حيث أنه أعجب بعلمه وإحاطته ودرايته بالحديث وعلومه كافة.
توفي العالم الفاضل محمد بن ماجه في العام 273 من الهجرة النبوية الشريفة وذلك في شهر رمضان المبارك، حيث صلى عليه أبو بكر بن ماجه وهو أخوه ومن دفنه هو أيضاً بالإضافة إلى أخيه الثاني أبو عبدالله بن ماجه مع ابنه عبدالله بن محمد بن ماجه.
سنن ابن ماجه
يعد كتاب سنن ابن ماجه لمحمد بن يزيد بن ماجه واحداً من كتب الأحاديث النبوية الستة، وهو من أبرز وأهم كتب هذا العالم الفاضل وهو الكتاب الوحيد الذي بقي إلى الآن من كتبه الأخرى. وهو الكتاب الذي اكتسب منه هذا العالم كل هذه الشهرة، ويحتوي كتاب السنن لان ماجه على العديد من الأحاديث وفي كافة مراتبها ومنازلها حيث يحتوي على الأحاديث الصحيحة والأحاديث الحسنة والأحاديث الضعيفة إضافة إلى أنه يحتوي على الأحاديث المنكرة والأحاديث الموضوعة، حيث أن آخر صنفين من أصناف الأحاديث قليلان جداً في كتابه إلا أنهما موجودان، حيث أن مجمل ما يحتوي عليه كتاب سنن ابن ماجه من أحاديث نبوية شريفة يقدر بـ 4000 حديث نبوي تقريباً.
قسم العالم الجليل ابن ماجه كتابه السنن، إلى المقدمة بالإضافة إلى العديد من الكتب وعددها 37 كتاباً حيث اشترك مع ابن ماجه في تخريج عدد كبير من هذه الأحاديث باقي الأئمة الخمسة، فقد بلغ عدد الأحاديث التي خرجها هو وغيره من الأئمة حوالي 3000 حديث نبوي شريف، أتعرف ما هو فقد انفرد في الباقي. وقد شرح هذا الكتاب العديد من شراح الأحاديث منهم علاء الدين مغلطاي ومحمد عبد الهادي السندي بالإضافة إلى الإمام السيوطي.