كثيرًا ما يتردّد اسم الشّيخ العلّامة محمّد ناصر الدّين الألباني حين يذكر تخريج حديث ما، فيقال صحّحه الشّيخ الألباني أو ضعّفه، فقد كان الشّيخ الألباني من أبرز علماء الحديث في القرن العشرين؛ حيث عكف على دراسة الحديث الشّريف ولمدّةٍ طويلة ليخرج من تلك الدّراسة بعلمٍ واسع مكّنه من تقديم ما يربو عن مئة مؤلّف في مختلف تخصّصات الشّريعة، وقد سيطر حبّ الحديث النّبوي الشّريف على قلب الشّيخ الألباني حتّى عكف على دراسة سند الأحاديث ورواتها، وقد عني في ذلك أشدّ عناية حتى يبيّن للنّاس مدى صحّة الأحاديث من ضعفها، وقد بلغ الشّيخ الألباني مرتبةً في العلم جعلت أحد المشايخ يقول عنه يومًا بأنّه عالم سقط سهوًا من القرون الأولى، فكيف كانت نشأة الشّيخ الألباني الأولى؟
نشأ الشّيخ محمّد ناصر الدّين الألباني في بيت علمٍ وفقه، فقد كان أبوه أحد كبار علماء المذهب الحنفي في وقته؛ حيث درس والده الشّريعة في إسطنبول ليعود بعد إنهاء دراسته إلى ألبانيا مسقط رأسه للتّدريس فيها، وقد حدث خلاف بينه وبين ملك ألبانيا حينئذ على مسألة النّقاب فقرّر السّفر إلى دمشق، وفي دمشق ألحق ابنه في أحد المدراس النّظاميّة، ثمّ ما لبث أن أخرجه منها ليتلقّى علوم الشّريعة والعربيّة على يد مشايخ وعلماء المذهب الحنفي، وفي المكتبة الظّاهرية في دمشق عكف محمد ناصر الدّين الألباني على قراءة الكتب وتحصيل العلم وعمل الأبحاث حتّى خصّصت المكتبة زاويةً له فيها، وقد عمل في الجامعة الإسلاميّة في السّعوديّة في الفترة ما بين 1381 وسنة 1383، ثمّ عاد بعد ذلك إلى دمشق ليتابع عمله في المكتبة الظّاهريّة التي تفرّغ لها، وترك مهنة والده وهي تصليح السّاعات لأخيه.
وعلى الرّغم من ابتعاد الشّيخ الألباني عن السّياسة إلا أنّ ذلك لم يشفع له عند السّلطات الحاكمة حينئذ، فقد اعتقل أكثر من مرّة قبل عام 1967م، وسجن مرّةً في قلعة دمشق، وفي المرّة الأخرى وضع في سجن الحسكة؛ حيث قضى فيه ما يقارب ثمانية أشهر عكف فيها على تحقيق كتاب مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري.
وقد أثنى كثيرٌ من العلماء على علم الشّيخ محمد ناصر الدين الألباني في الحديث الشّريف حتّى اعتبره البعض مجدّد الأمّة في هذا القرن، وقد وافت الشّيخ المنيّة يوم السّبت الثاني والعشرين من جمادى الآخره سنة 1420 هجري الموافق الثّاني من أكتوبر عام 1999 ميلادي، وقد شيّع جنازته الآلاف من تلامذته ومحبّيه، رحمه الله رحمةً واسعة.