الفراعنة
خضعت الدولة المصرية القديمة في تاريخها للحكم الفرعوني على مدى ثلاثة عصور، هي عصر الدولة القديمة والوسطى والحديثة، وبدأت حقبتهم منذ عام 3200 قبل الميلاد وامتدت إلى 1150 قبل الميلاد، وشهدت خلال هذه الفترة تطوراً كبيراً فعرف المصريون الكتابة الهيروغليفية أو ما يعرف بالنقس المقدّس، وتأسست أول عاصمة للبلاد، ونشطت الحركة التجارية بين مصر والدول المجاورة.
عُرف عصر الفراعنة بعصر بناة الأهرامات، كما شهد هذا العصر ازدهاراً في الناحية الفنية والزراعية والصناعية، وكان المصريون القدماء أول من أدخل الأسطول النهري البري في حياتهم البحرية لنقل منتجاتهم عبره، ولم يقتصر الازدهار على هذه النواحي فقط بل امتد على طول العصور التي تعاقبت على مصر في العهد الفرعوني.
يشار إلى أنّ الفراعنة أول من أوجد لعبة كرة القدم فكانوا يقيمون المسابقات والمباريات ومن تنتهي المسابقة بفوزه يتم تقليده بقيراطين من الذهب، وأولوا الصناعات اليدوية اهتماماً حتى انتشر التراث الفرعوني القديم ذات الجمال والروعة إلى الأقصر والفيوم، كما حظي الأدب أيضاً بالاهتمام وكذلك الفن، ومن أبرز الملوك الفراعنة الذين توّلوا حكم البلاد توت عنخ أمون، موضوع بحثنا اليوم.
توت عنخ أمون
ينحدر الفرعون توت عنخ أمون من فراعنة الأسرة المصرية الثامنة عشر، ومن الجدير بالذكر أنّ أمون قد حظي بشهرته الواسعة ودخوله سطور التاريخ كان بعد وفاته أمّا خلال حياته فلم يكن له أي ذكر، واشتهر في التاريخ بعد أن تمّ اكتشاف مقبرته وكنوزه بالكامل دون أي تلف، وكان فرعوناً على مصر في الفترة الممتدة ما بين 1334 وحتى 1325 قبل الميلاد، وعندما تولى الحكم كان يبلغ من العمر تسع سنوات، ويعتبر كبير الآلهة المصرية القديمة
ترجمة اسم "توت عنخ أمون" من اللغة الفرعونية إلى اللهجة المصرية أو اللغة العربية هي "الصورة الحية للإله أمون"، وكان يلقّب بالطفل الملك نظراً لتوليه الحكم في سن مبكّرة.
حياته
يعود نسب الفرعون توت عنخ أمون إلى الفرعون أخناتون، وولد في عام 1341 قبل الميلاد، ويذكر بأنه قد تولّى حكم البلاد منذ سن الطفولة بعد أن توفّي أخيه سمنخ كارع، وتزوج توت عنخ أمون من عنخ إسن أمون، وشهدت فترة حكمة العديد من الأحداث الهامة ومن أبرزها قيام ثورة تل العمارنة التي شُنّت ضد أبيه الفرعون أخناتون بعد قيامه بنقل عاصمة البلاد إلى أخت أتون بالمنيا، والذي حاول أيضاً العمل مليّاً على توحيد الآلهة وجمعها بإله واحد وهو الإله أتون، ولكن مع قدوم عهد توت عنخ أمون كان قد سمح بتعدّد الآلهة ورفع الحظر عن الآلهة الأخرى.
وفاته
توفي الفرعون توت عنخ أمون في 1323 قبل الميلاد وكان عمره آنذاك حوالي ثمانية عشر عاماً، وأثارت قضية وفاة الإله توت عنخ أمون ألغازاً كثيرة وخاصة ما تبعها من أحداث في تلك الحقبة فقد أثارت الشكوك حول وفاته اغتيالاً وليس إثر حالة مرضية، وخاصة بعد أن أقدم وزيره على الزواج من أرملة توت عنخ أمون وتنصيب نفسه فرعوناً على البلاد وقيام وزيره بإتلاف كل ما يثبت وجود توت عنخ أمون وأدله حكمه على البلاد.
حاولت دراسات أن تثبت سبب الوفاة الرئيسي لموت توت عنخ أمون إلا أنّه مازال هناك تخبّط في الأمر، حيث أُخضعت جثته للتصوير الحاسوبي الشريحي الثلاثي الأبعاد فأكّد التصوير إثبات عدم وجود شبهة جنائية في وفاته وأنّ الفتحة الموجودة في جمجمة توت عنخ أمون لم تنشأ إثر ضربة تلقاّها على منطقة الرأس، وإنما تمّ إحداث هذه الفتحة في رأسه بعد وفاته لإتمام عملية التحنيط على جثته، وتوّقع عالم الآثار المصر زاهي حواس المشرف على هذه الدراسة بأن سبب وفاته قد يعزى إلى وجود كسر في منطقة الفخذ الأيسر قد يكون تسبّب في وفاته بعد التهابه.
أفادت دراسة وتحاليل حديثة خضعت لها مومياء توت عنخ أمون أنّ هناك احتمالية أن فرعون كان مصاباً بمرض متلازمة مارفات، وجاء هذا التوّقع بعد أن تمّ الكشف عن عدم اكتمال عظم سقف التجويف الفموي له، وذلك إثر وجود تشّوه في منطقة الرأس حيث إن الطول العرضي لجمجمته ليس طبيعياً، ويعّد توت عنخ أمون طويل القامة إذ بلغ طوله حوالي مئة وسبعون سنتيميتراً.
اختلفت الروايات في دراسات متتالية أجريت على مومياء توت عنخ أمون، ففي دراسة مشتركة بين جامعتي ليفربول وميشيغان أظهرت تقاريرها النهائية وبعد استعمال أشعة اكس على مومياء توت عنخ أمون وجود نقطة من الدم وتفسيرها الطبي هو أن الدماغ تعرّض لنزيف دموي.
مقبرة الفراعنة
اتخّذ الفراعنة القدماء مقبرة لهم في وادي الملوك الكائن بالقرب من قرية طيبة الواقعة على الضفة الغربية لنهر النيل، وتصل مساحته إلى حوالي عشرين ألف متر مربع، وفي هذه المقبرة دُفن سبعة وعشرون ملكاً من ملوك ثلاثة أسر مصرية متعاقبة وهي الأسر الفرعونية من الثامنة عشر وحتى الأسرة العشرين، وكانت الطريقة المعتمدة في حفر القبور استخدام الفأس.
مقبرته
واصل علماء الآثار في التنقيب عن القبور إلى أن تمّ الوصول في عام 1922 إلى ضريح فرعون مصر توت عنخ أمون، وكان تحيط به جدران مرسوم عليها رسوم رائعة تروي قصة رحيلة إلى مثواه الأخير، وكان الصندوق الخشبيّ الذي يحتفظ بجثته منقوشاً بالذهب وبداخله صندوق آخر مزخرف بنقوش رائعة الجمال مطعّمة بالذهب، وكان ذلك ثلاث توابيت متداخلة داخل بعضها البعض.
توّصل أحد علماء الآثار أثناء مواصلة التنقيب عن القبور إلى تابوت حجري كان قد غطّته طبقة سميكة من الحجر المنحوث على شكل تمثال لتوت عنخ أمون، وبعد رفعه ظَهَر تابوتٌ ذهبيّ رئيسي على شكل هيئة أو تمثال لجسد توت عنخ آمون، وصَعُب على العالم تحرير التمثال من الكفن فتم قطع الكفن الذهبي إلى جزأين ليتم الوصول إلى مومياء توت عنخ أمون فكان ملفوفاً بالحرير، وبعد إزالة طبقات الحرير تم الكشف عن زينته التي كان يتقلدّها كالقلائد الذهبية والخواتم والتاج والعصى المصنوعة من الذهب الخالص، وتم فصل جمجمته عن جسده لإزالة هذه الزينة عن جسده، وانتشرت على مر العصور أسطورة لعنة الفراعنة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمقبرة توت عنخ أمون وتم استخدامها بشكّل مكثّف في الأفلام المصرية وبدور السينما والأفلام وألعاب الفيديو ما زاد من جعل وفاة توت عنخ أمون لغزاً على مر العصور.
كنوزه
تعود أهمية وفائدة كنوز توت عنخ أمون إلى ما هى اسباب متعددّة، وهي :
- يعتبر كنزه من أكمل الكنوز الملكية التي تمّ العثور عليها نظراً لتكوّنه من ثلاثمئة وثمان وخمسين قطعة ذهبية من ضمنها قناع و ماسك ذهبي وتوابيت ذهبية.
- تعود أهمية وفائدة الأمتعة الذهبية والكنوز إلى أزهى وأكثر العصور ازدهاراً من عصور الدولة الفرعونية الحديثة.
- كشف الكنوز عن مدى اهتمام الملك خلال حياته بالصيد.
اللعنة
تُعرف اللعنة بأنها انتقام إله الشمس ممن يعتدي على أي موميائي كمن نهب ماله أو خرب قبرّه وأذاه أو أخرجه من قبره، حيث تحّل اللعنة على هذا المعتدي وتورثه الهلاك في حياته ولا يرث أبناؤه أملاكه، وتهلك روحه إلى الأبد، فهي وعد الموت لمن يعتدي أو يزعج ملوك الفراعنة في قبورهم ومدافنهم، ومن الجدير بالذكر أنّ جميع ما ذكر تعرف ما هو إلا عبارة عن أساطير وخرافات ليس أكثر، وحاولت بعض الصحف البريطانية التحرّي حول سبب وفاة عالم الآثار البريطاني الذي اكتشف وتعرّض له بأن سبب وفاته بعد عدة أشهر هو حلول لعنة الفراعنة عليه، وفي الواقع إنّ وفاته ناجمة عن إصابته بتسمم في الدم إثر تعرّضه للسعة بعوضة في خدّه.