صلاح الدين الأيوبي ، القائد العظيم والملك الناصر ، هو يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدويني التكريتي ( أبو المظفر ) ، مؤسس الدولة الأيوبية ، والتي وحدت بلاد الشام ومصر والحجاز واليمن وتهامة تحت ظل الراية العباسية ، بعد قضائه على الخلافة الفاطمية، كان قائداُ عظيماً حيث قام بقيادة عدة حملات ضد الصليبيين ( الفرنجة ) وغيرهم لإستعادة بيت المقدس بعد استيلاء الصليبيين عليها ، لتنجح تلك الحملات في تحرير بيت المقدس وفلسطين ولبنان بعد هزيمتهم في معركة حطين .
صلاح الدين الأيوبي كان مسلماً سنياً متصوفاً ، تابعاً للطريقة القادرية ، وقد قيل بأنه كان أشعريا ، أشتهر بلطفه ومعاملته الإنسانية وتسامحه مع أعدائه ، حيث تركت هذه الصفات طيب الأثر في نفوس الناس في العالمين الشرقي العربي والغربي المسيحي ، ليلقى كل إحترامٍ وتقدير من الجميع ، وهذا ما تميز به صلاح الدين لتنطلق شهرته في أصقاع الأرض ، وذكر المؤرخون الأوروبيين بسالته في العديد من كتبهم ، وأبرز مواقفه التي لقي فيها التقدير والثناء من خصومه عند حصاره لقلعة ( الكرك ) ، وخاصة من قبل خصمه ريتشارد قلب الأسد ، لتتحول سيرة صلاح الدين الأيوبي في أوروبا الغربية كرمزٍ من رموز الشجاعة والفروسية ، ويؤتى على ذكره في العديد من الروايات والكتب الإنجليزية .
ولد صلاح الدين في مدينة تكريت في العراق عام 1138م ، وكانت بداية سطوع نجمه عندما كان يبلغ من العمر 26 عاماً حيث قام بعدة استطلاعات تحت راية نور الدين زنكي ليثبت جدارته بها ، وبعد وفاة أسد الدين أسند الخليفة الفاطمي مرغماً الوزارة لصلاح الدين الأيوبي لشعبيته الواسعة ، وبعد فترةٍ قصيرة من تولي صلاح الدين لمنصبه تعرض لمحاولة اغتيال من قبل أحد الجنود الفاطميين ، بتحريضٍ من الخليفة الفاطمي ، وبعد كشف أمره توالت محاولات القضاء عليه من قبل الفاطميين ولكن صلاح الدين قد كان الأسرع في رد مكرهم واقتلاع شوكتهم والقضاء عليهم ، لتسقط مصر بعدها في أيدي الزنكيين ، في تلك الفترة توالت الحملات الصليبية على المنطقة بأمرٍ من البابا اسكندر الثالث ، لشعوره باختلاف موازين القوى ، واستنجد بدول أوروبا ولكن تلك النداءات لم تلقى أذناً صاغية إلا من القسطنطينية ، حيث استغل الصليبيين انشغال نور الدين زنكي في مشاكله الداخلية ، وحلول صلاح الدين الأيوبي خليفةً لأسد الدين شيركوه ، وكان بنظر الصليبيين صلاح الدين شخصاً غير محنك ، في توجيه حملة للشرق .
استعد صلاح الدين لمواجهة الصليبيين ، استولى الصليبيون على دمياط ، فقام صلاح الدين بإرسال رسالة الى نور الدين زنكي يشكو فيها من مخاوفه بشأن الجيش المصري واضمار المصريين الشر له في حال خروجه في مواجهة الفرنجة ، فما كان من أمر نور الدين زنكي إلى أن خرج قاصداُ إمارات الفرنجة في بلاد الشام وشن هجوماً قويا على معاقلهم للتخفيف وانقاص من الضغط على مصر ، وقام صلاح الدين بحصار دمياط لخمسين يوماُ أدى الى هزيمة الصليبيين ، واعداد العدة للرحيل عنها ، استمر بعدها صلاح الدين في ملاحقة فلول الهاربين من الجيش الصليبي ليشتبك معهم في ( دير البلح ) ، فخرج عموري الأول من غزة لملاقاة صلاح الدين خارج غزة ، لكن صلاح الدين تفادى مواجهته عن طريق تغيير مسيره قاصدا غزة نفسها وقام بتدمير البلدة التي قام الصليبيين ببناءها ، وقام بفتح قلعة ايلات في خليج العقبة ، حيث أنزل هزيمة كبيرة بالصليبيين ، وأدى هذا الإنتصار إلى تثبيت أقدام الزنكيين في مصر ، وبعد وفاة العاضد ، أصبح صلاح الدين الحاكم الفعلي لمصر .
بعد تولي صلاح الدين الحكم في مصر ، أصابت علاقته مع نور الدين زنكي بعض الفتور ، وازداد تخوف نور الدين عند ازدياد شعبية صلاح الدين الأيوبي وقوته ، وقام بالإعداد لإرسال حملة إلى مصر لخلع صلاح الدين من الحكم فيها ، غير أن تلك الحملة لم يكتب لها النجاح لإصابة نور الدين زنكي بذبحةٍ صدرية أدت الى وفاته ، ومن هنا أصبح صلاح الدين الحاكم الفعلي الاوحد لمصر واستقل سياسيا ، وقطع العهد على نفسه بأن يصبح السيف المسلول على رقاب أعدائه وأعداء الإسلام ، لتبدأ حقبة الدولة الأيوبية من بعدها والتي كان هو على رأسها ، وقام بفتوحاته العظيمة في البلاد ، وكان كالسيف المسلول الذي أطاح بكل أعداء الدين في تلك الحقبة من الزمن .
توفي صلاح الدين عن عمرٍ يناهز ال 55 عاما إثر إصابته بالحمى الصفراوية ، وقد نزل أمر وفاته على الجميع كالصاعقة حتى قيل بأن صوت نواح الناس قد توحد في بكاء رحيله في جميع البلاد ، وقد أسف حتى أعداءه من نبأ رحيله ، ودفن في مدينة دمشق الى جانب نور الدين زنكي .