(الكتاب الأخضر هو كتاب فلسفي ألفه القائد الليبي السابق معمر القذافي عام 1975 وفيه يعرض أفكاره حول أنظمة الحكم وتعليقاته حول التجارب الإنسانية كالاشتراكية والحرية والديمقراطية، حيث يعتبر هذا الكتاب بمثابة كتاب مقدس عند معمر القذافي)
(يتكون الكتاب الأخضر من ثلاثة فصول:
الفصل الأول: الركن السياسي ويتناول فيه مشاكل وعيوب السياسة والسلطة في المجتمع. الفصل الثاني :الركن الاقتصادي فيه حلول المشاكل وعيوب الاقتصادية التاريخية بين العامل ورب العمل. الفصل الثالث :الركن الاجتماعي وفيه طروحات عن الأسرة والأم والطفل والمرأة والثقافة والفنون.)
(((الرئيس الليبي معمر القذافي الذي يحكم التراب الليبي بما عليه ومن عليه من بشر وحجر وشجر منذ 42 عاما، تجاوزت مفارقاته حدود التصور الإنساني، فهو يحرق الآن كل ما تطاله يده في ليبيا؛ وسط ذهول البشرية من هذه المجزرة البشعة التي يرتكبها في حق الإنسانية!
وحين نتأمل ما يحدث الآن علينا أن ندرك أنه ليس وليد اعتراضه على مطالب التغيير في بلاده، بل هو وليد التصفيق والتشجيع لرجل بليد، إما بدافع الرهبة منه أو الرغبة فيما عنده، فسيرة الرجل مليئة بالمفارقات الصارخة التي تجعل المتابع يخرجه من زمرة العقلاء، وبالرغم من هذا فهو رئيس يتحكم في مصير شعب بأكمله بما فيه من عقلاء و علماء ومفكرين ونساء ورجال وأطفال وشيوخ، والقذافي نموذج يعكس حجم الفشل والخيبة التي تعيشها أمة العرب منذ أكثر من نصف قرن على مستويات كثيرة!!
وحين نعود قليلا إلى مفارقات القذافي نجد من بين هذه المفارقات العجيبة كتابه المقدس ـ على حد تعبير منافقيه ـ (الكتاب الأخضر) الذي ألفه عام 1975م ويعرض فيه آراءه وأفكاره حول أنظمة الحكم والتجارب الإنسانية المختلفة، ويتكون من ثلاثة فصول: السياسة، والاقتصاد، والاجتماع.
والقارئ لهذا الكتاب سيجده سفرا ممتعا في الأدب الساخر، بالرغم من أن العقيد القذافي يقدمه للناس على أنه كتاب مقدس ملهم للبشرية، وقد قامت مؤسسة عريقة بنحته على ألواح الرخام وقامت بدفنه في التراب الليبي، حتى تأتي الأجيال القادمة لتكشف تراث الفكر القذافي الفذ!
والكتاب يحتوي.. لا إنه لا يحتوى على شي؛ فهو مجرد تدوير لكلام كثير لا يحمل غير البديهيات، ومثله في ذلك كمثل الشاعر الذي ظن أنه أتى بجديد حين قال: كأننا والماء من حولنا قوم جلوس من حولهم ماء!
والكتاب الأخضر فيه من الطرافة والظرف ما يخرج به عن كونه كتابا تنظيريا يحمل أفكارا جدية يمكن مناقشها، لكنه القذافي الذي صدق نفسه ـ ووافقه الغاوون ـ أن كتابه بزعمه (مقدس)، بينتعرف ما هو بعيد عن أي جدية حيث يعتدي على منطق وبديهيات الأشياء، كما في البيت السابق أو كما يصف الدكتور شوقي ضيف الشاعر بن سودون الذي عاش في مصر بالقرن التاسع الهجري، وكان يكتب شعرا طريفا يعتمد فيه على براعة الفكاهة حين يعمد إلى ممارسة "الاعتداء على منطق وبديهيات الأشياء، والسقوط بك من شاهق الجد عند التلقي إلى مواضع المفاجأة"
ولم يكن الكتاب الأخضر وحده ضمن إبداع القذافي الصارخ المفارقة، فقد تلاه بمجموعة قصصية عنوانها طويل بطول اسم جماهيريته وهو "الأرض الأرض القرية القرية وانتحار رائد الفضاء" وقد دُبجت فيها الكثير من الدراسات الأكاديمية النقدية في ليبيا وفي خارجها للإشادة به وبما ألهمت كتاب القصة العرب، وقد تصدى له الدكتور جابر قميحة في ثماني حلقات بمجلة المجتمع الكويتية تحت عنوان "إلا القصة يا مولاى" قبل نحو 15 عاما.
والآن تعالوا نقرأ ما كتبه القذاقي في الركن لاجتماعي للنظرية العالمية الثالثة ـ هكذا يسميها ـ من كتابه الأخضر، لنرى حقيقة ما ينطبق عليها من صدق الاعتداء على منطق وبديهيات الأشياء، والسقوط بنا من القمة إلى السفح.
يقول القذافي عن الفرق بين الرجل والمرأة: المرأة تجوع وتعطش كما يجوع الرجل ويعطش.. والمرأة تحيا وتموت كما يحيا الرجل ويموت. ولكن لماذا رجل ولماذا امرأة؟ أجل. فالمجتمع الإنساني ليس رجالاً فقط ، وليس نساء فقط فهو رجال ونساء.. أي رجل وامرأة بالطبيعة.. لماذا لم يُخلق رجال فقط .. ولماذا لم يُخلًق نساء فقط .. ثم ما هو الفرق بين الرجال والنساء أي بين الرجل والمرأة؟ لماذا الخليقة اقتضت خلق رجل وامرأة؟.. إنه بوجود رجل وامرأة وليس رجل فقط أو امرأة فقط. لا بد أن ثمة ضرورة طبيعية لوجود رجل وامرأة وليس رجل أو امرأة فقط.. إذاً كل واحد منهما ليس هو الآخر… إذاً، هناك فرق طبيعي بين الرجل والمرأة، والدليل عليه وجود رجل وامرأة بالخليقة.. وهذا يعني طبعاً وجود دور لكل واحد منهما يختلف وفقا لاختلاف كل واحد منهما عن الآخر. إذن، لا بد من ظرف يعيشه كل واحد منهما يؤدي فيه دوره المختلف عن الآخر،والمختلف عن ظرف الآخر باختلاف الدور الطبيعي ذاته. ولكي نتمكن من معرفة هذا الدور.. لنعـرف الخلاف في طبيعة خلق الرجل والمرأة..أي تعرف على ما هى الفروق الطبيعية بينهما ؟
وبعد هذه الفقرات المتتالية التساؤل تأتي الإجابة الحاسمة من الزعيم الملهم العبقري ليقول: "المرأة أنثى، والرجل ذكر.. والمرأة طبقا لذلك يقول طبيب أمراض النساء(إنها تحيض أو تمرض كل شهر، والرجل لا يحيض، لكونه ذكرا فهو لا يمرض شهريا "بالعادة". وهذا المرض الدوري، أي كل شهر هو نزيف.. أي أن المرأة لكونها أنثى تتعرض طبيعيا لمرض نزيف كل شهر".
وبعد هذا العرض المختصر لجزء من عقل القذافي الذي ساقه لنا على أنه نظرية عالمية، نجد أنفسنا في حيرة.. أنضحك من هذا الكلام ونعده نموذجا أدبيا نثريا، أم نبكي على أنفسنا لأننا سلمنا عقولنا ومصائرنا لأمثال القذافي، ممن يعبثون بآمالنا ومقدراتنا ويجعلوننا في ذيل الأمم؟!