لم يُنزل ربُنا تعالى القرآنَ الكريمَ عبثاً،هو كتابُ حق،كتابُ شريعةٍ وأحكامٍ وقواعدَ تنفعُ الناسَ وتنظمُ أمورَهم، تُسعدُهم في حياتهم وتحميهم من الوقوع في المعاصي، وبالتالي تمنحُهم الرضا وراحةَ البال.
الزواجُ هو أحدُ الأمورِ التي شرعَهَا الإسلامُ وشجعَ عليها ، والحكمةُ من تشريعِه في أن النتائجَ المترتبةَ عليه هي أمورٌ عظيمةٌ ذاتُ فائدةٍ جمّة. قال تعالى:"وخلقَ لكم من أنفسِكم أزواجاً لتسكنوا إليها" فهنا نرى أن من أولِ فوائدِ الزواجِ وأهمِّها هي السكينة، كل منا بحاجةٍ إلى روحٍ أخرى تتمِّمُه، روحٍ من الجنسِ الآخر ، مهما ادّعينا أننا نكتفي بمن حولنا من الأهلِ والأصحاب ، ومهما اتخذْنا أخلّاءَ من نفسِ الجنسِ فإنّنا نبقى بحاجةٍ إلى الجنسِ الآخرِ لنكتملَ ولنحققَ الاستقرارَ الداخلي، فالرجلُ يحتاجُ إلى أنثى تُسعدُهُ وتكونُ عونَه ومَكْمَنَ أسرارِه، تحنُ عليه عند الحُزنِ والمصائبِ وتكونُ له وطناً، ويزدادُ فرحُهُ بوجودِها ضِعْفاً إذا فرح. الأنثى كذلك تحتاجُ زوجاً يحتويها ويُعينها على تدبيرِ أمورِها ومواجهةِ مصائبِ الحياة، فهو الأقوى بينهما، تحتاجُ رجلاً شهماً، صلباً وقاسياً إذا استدعتْ الأمورُ للدفاعِ عنها، وليّناً حنوناً إذا ما خلا إليها وإلى أطفالِها.
إذا ما تم تطبيقُ هذا الأمرِ عند الجميع فإننا سنستغني عن كثيرٍ من المآسي والآفاتِ التي تصيبُ مجتمعاتنا، فأغلبُ سوءِ الخُلُقِ الذي نراه عند الكثيرين في أيامنا، وحوادثُ التحرشِ والانتحارِ تعودُ بشكلٍ رئيسيٍ وغيرِ مباشرٍ -أحياناً- إلى انعدامِ الزواجِ الحقيقيِّ الشرعي، عندما نتمعّنُ في حديثِ نبيِّنا الكريمِ الذي شجّعَ به الشبابَ على الزواجِ نرى أن الامتناعَ عنه أمرٌ لا يصحُ أبداً: حيث قال:"من استطاعَ منكم الباءةَ فليتزوّج، ومن لم يستطعْ فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" فهنا إشارةٌ أكيدةٌ أن من لم يتحققْ له الزواجُ(الباءة) سيقعُ في مصائبَ شتّى لا يُحمدُ عقباها، وعليه عندها الصوم، لأن الصومَ كما نعلمُ وكما وردَ في هذا الحديثِ هو "وِجاء" أي امتناعٌ عن الشهواتِ وقطعُها.
نحنُ لم نُخْلَقْ ملائكة، خُلقْنا بشراً حالةً وسطاً بين الملائكةِ والشياطين، نُخطئُ ونُصيب، تغريينا فِتَنُ الحياةِ ومسرّاتُها، تغريينا نفسُنا الأمّارةُ بالسوء، فإن تبعناها وأطلقْنا لها العنانَ فإننا سنقعُ ولا بدّّ في المعاصي والآثام، فإن لم يتم تحصينُ المجتمعِ بالزواجِ فإنّ كلَّ فردٍ سيبحثُ عن نقصِه في الطريقةِ التي يشاء، لهذا السببِ نرى من حولِنا الشواذَّ وحالاتِ التحرشِ والزّنا وحالاتِ الانتحارِ أيضاً ! كلٌ منا يسيرُ متخبطاً في هذه الحياةِ إن لم يجدْ ما يُشبعُ غريزتَه، سنحسُ بالوحدةِ والضياعِ والتّشتت، سنفقدُ السلامَ الداخليّ أيضاً، سنشعرُ بأن بداخلنا عواصفَ لا تهداُ ولا تركن، ونيراناً لا تنطفئ، تخفتُ بالصبرِ والتزامِ الطاعاتِ ربما ولكنّها تعودُ وتشتعلُ من جديد، فلا يُخمدها إلا الزواج.
إحصائياتٌ كثيرةٌ اليومَ تؤكدُ بأن مجتمعاتِ أوروبا أصبحتْ مجتمعاتٍ هَرِمة، فهي في أكثرِها تضمُ فئةَ كبارِ السن، باتتْ فئةُ الشبابِ فيها أقلَّ فئةٍ موجودة، حتى أن دولةَ الصين التي كانت تمنعُ إنجابَ أكثرِ من فردٍ لنفسِ الأسرةِ عادتْ وسمحتْ بتعدُّدُ الإنجابِ من جديد، فهي أيضاً تعاني من نفسِ المشكلة. كل ذلك يمكنُ أن نعزوهُ لسببٍ واحدٍ فقط، ألا وهو أن موضوعَ الزواجِ بين أفرادها أصبحَ أمراً فردياً وامتنعَ كثيرٌ منهم عنه، صاروا يكتفون بتلك العلاقاتِ غيرِ الشرعيةِ لإشباعِ رغباتِهم، وبتربيةِ الحيواناتِ الأليفةِ أو بالتبنّي أمامَ غرائزِ الأمومةِ والأبوّة.
نحنُ عندما نُشجّعُ على الزواجِ فإنّنا نقومُ ببناءِ مجتمعٍ سويٍّ متقدّم، وإنشاءِ حضارةٍ تشهدُ لها الأممُ مستقبلاً، وإننا في هذا الصددِ نشجعُ الأهالي على تيسيرِ أمورِ الزواج، وتقليلِ قيمةِ المهور، ندعوهم للتخلّيِ عن تلك المقاييسِ والمفارقاتِ الاجتماعيّة ، فجعلُ المالِ والحسبِ والنسبِ ومكانِ الإقامةِ شروطاً للزواجِ يقللُ من نسَبِهِ بشكلٍ كبير، ويُدخلُ كثيراً من شبابِنا وشابّاتِنا في دوامةٍ مخيفة، يعكِفون بها عن الزواجِ ويلجؤونَ إلى وسائلَ وعلاقاتٍ لا نضمنُ شرّها ولا نحمدُ عُقباها، فلا نكون قد فعلنا إلا أن جعلنا من مجتمعنا بيئةً سيئةً تنزلقُ به إلى الحضيض.