إن الله تعالى أوصى الإنسان بوالديه قائلاً: " ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن " وأمر ببرهما، والبعد عن اغضابهما، والحرص على طاعتهما ما أطاعا الله تعالى، وحتى إن كانا مشركين به فأمر بالاحسان إليهما، ومصاحبتهما في الدنيا معروفاً؛ وذلك لفضل الوالدين على الابن، وتعبهما منذ أن انجباه، وحرصهما على تربيته والاعتناء به ، وايثاره على نفسيهما، وصدقهما في عاطفتهما تجاهه، والسهر عليه في مرضه وتعبه، والشقاء بشقائه والفرح بفرحه؛ فهو من صلبهما ومن لحمهما ودمهما ، لذا أوجب الإسلام دين الاحسان رد المعروف إليهما، وبرهما خاصة في كبرهما؛ لضعفهما وحاجتهما له .
وقد قرن الله تعالى رضاه برضاهما ، وعجل عقوبة عقوقهما في الدنيا؛ فمن بر أبويه بره أبناءه ، ومن عق والديه عقه أبناءه ، ومن أراد التوفيق من ربه فعليه ببر والديه خاصة أمه؛ لما لها الفضل الأكبر في خدمة الابن وتربيته، والسهر عليه والاعتناء به ، وما سبقه من حمل ورضاعة وما يتخلهما من تعب وشقاء، كل ذلك حباً منها لفلذة كبدها . وها هو النبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم- يقدم برهما على الجهاد في سبيل الله تعالى.
كل هذا وغيره يستحق من الابن أن يبر أبويه، ويرعاهما خاصة عند الكبر، وأن يحرص على إرضائهما، وأن يؤثرهما على نفسه وزوجه وأبنائه . لكن حتى ينال الآباء بر أبنائهم ، عليهم أن يبروهم أولاً ليحظوا ببرهم؛ فبر الأبناء يكون بحسن اختيار أمهاتهم، وحسن تسميتهم ، وتعليمهم القرآن الكريم، وتفقيههم في أمور دينهم، وإعانتهم على البر، وعدم التخلي عن مسؤولياتهم تجاه الابناء، وأن يبروا آباءهم أمامهم، وأن يكونوا قدوة حسنة لهم. فإحدى ما هى اسباب عقوق الأبناء للآباء أن الاباء أنفسهم عاقين لآبائهم، فيجزيهم الله تعالى بعقوق أبنائهم في الدنيا. فإن أدى الولد حق ولده منذ طفولته، وأصلح نفسه نال بر ابنه وحقوقه منه، فمن أطاع الله عز وجل طوّع الله له رعيته، والأبناء رعية الرجل في بيته ، وهو راعيهم ومسؤول عنهم، ومن ذلك ذكر القرآن الكريم قصة الغلامين في سورة الكهف ونعت أبوهما بالصلاح: " وكان أبوهما صالحاً " .
إن عقوق الأبناء للآباء منتشر هذه الأيام بكثرة وكأنها موضة العصر، وهي إحدى علامات و دلائل قيام الساعة، ومستحقات غضب الله تعالى، ويرجع هذا التصرف البغيض الى الكثير من الاسباب الظاهرة والخفية منها؛ تقليد المشاهير والفنانين في وسائل الاعلام حيث تبث المسلسلات اليومية والافلام الكثير من المفاهيم المغلوطة ولاأخلاقية في التعامل مع الاباء لاسيما انها تعرض أن الابن ضحية ، وعليه التحرر من ابيه وسيطرته وعليه هجره، وعدم السماح له بالتدخل في شؤون الابن خاصة المراهق. وهذه المفاهيم استمدت من الغرب حيث الانحطاط في الأخلاق، وعدم تقدير وبر الاباء. وللأسف إن أبناءنا اليوم يختارون قدواتهم العليا من أولئك الفنانين والمشاهير وإن كانوا غير مسلمين بسبب ذوبانهم في شخصهم ، وعدم نضوجهم ووعيهم الديني والفكري . ومن ثم إن للأصدقاء التأثير ونتائج الأكبر على الأبناء لاسيما في سن المراهقة حيث تنشأ أفكار صبيانية لديهم يربطونها بإثبات الذات والوجود والاستقلالية خاصة الشاب، فيعتقد أن عدم طاعته لأبيه ، ورفع صوته عليه والبعد عنه يثبت رجولته وكيانه، ويجعله محموداً بين أصحابه . ناهيك عن الكتب والمجلات التي منحت المراهق الحجم الاكبر في هذا العالم، ومنحته الأعذار والتبريرات اللامنطقية في تصرفاته السيئة مع والديه بحكم الفترة (السيكولوجية) و(البيولوجية) التي يمر فيها ، وما يتخللها من نضوج وبلوغ ، مما جعل الأبناء يرون أنهم مصدر القوة، وعلى آبائهم تجنب انفعالاتهم الوخيمة وأي سلوكات تسيء إليهم، فبات على الأب ان يطلب رضا ابنه في هذا العصر الجديد .
إن ابتعادنا اليوم كمسلمين عن تعاليم الدين الإسلامي أوجد لنا مشاكل وعيوب نحن بغنى عنها، وقد صدّر الغرب لنا مشاكله النفسية والاجتماعية والتربوية الناتجة عن الابتعاد عما أراده الشارع الكريم، وحلولها البسيطة تكمن في شرع ربنا سبحانه وتعالى ، لذا علينا ان نعود للصراط المستقيم، وان نحذوا حذو أجدادنا وأسلافنا العظماء حيث الابن يبر اباه، والأب يحسن إلى ابنه لتصلح دنيانا وآخرتنا ، فحري بالأب ان يعين ابنه على بره، وحري بالابن أن يبر أباه.